ةيبعشلا قطانملا يف ءارقفلا معد يف م َّظنملا ريغ لفاكتلا... روركدلا قلاوب ةقطنمل ةلاح ةسارد ميظعلا دبع ناميلس حلاص
by user
Comments
Transcript
ةيبعشلا قطانملا يف ءارقفلا معد يف م َّظنملا ريغ لفاكتلا... روركدلا قلاوب ةقطنمل ةلاح ةسارد ميظعلا دبع ناميلس حلاص
َّ المنظم في دعم الفقراء في المناطق الشعبية دور التكافل غير دراسة حالة لمنطقة بوالق الدكرور صالح سليمان عبد العظيم أستاذ علم االجتماع المساعد بكلية اآلداب؛ قسم االجتماع؛ جامعة عين شمس َّ الملخص البحثي تسعى هذه الدراسة إلى التعرف على وضعية الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور ،من خالل دراسة خمس عشرة جمعية، وذلك عبر دراسات حالة متعمقة للقائمين على عمل هذه الجمعيات والمسئولين عنها .وفي ضوء ذلك ،تحاول الدراسة التعرف على السمات العامة المشتركة فيما بينها ،ومستوى الجانب التأسيسي الخاص بها ،ودرجة تطوره وإفادته للسياق المجتمعي المحيط بها، وطبيعة استراتيجيات العمل وتصورات تطويرها إن وُجدت .وتعتمد الدراسة نظريًّا على نموذج التوحد Identification Model الذي يجمع بين مشاعر الفرد الغيرية وبين تحقيقه لمنفعته الذاتية .وفي ضوء ذلك ،توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج شملت ضعف تمويل هذه الجمعيات ،وقلة مشاركة األفراد في العمل التطوعي ،وانتشار أبوية العمل ومركزيته في هذا النوع من مؤسسات العطاء االجتماعي ،إضافة إلى شيوع العالقات الشخصية وغياب العمل المؤسسي المتطور ،كما شملت هذه النتائج ضعف البنى التحتية الخاصة بهذه الجمعيات وغياب الرؤى االستراتيجية التي تساعد على تمكين المتلقين للعطاء االجتماعي. إشكالية الدراسة والمنطلقات النظرية لها ً قليلة بدرجة كبيرة في العالم العربي بشكل عام ،وفي مصر بشكل خاص (مثال مازالت الدراسات التي تتناول العطاء االجتماعي لهذه النوعية من الدراسات ،انظر :رمضان 2010؛ شكر 2006؛ العوير 2006؛ موسى .)2009ورغم ِقدَم العطاء االجتماعي في العالم العربي فإن المالحظ أن الحديث عنه ومحاولة التنظير له وتناوله بشكل علمي يرتبط بالتخصصات المختلفة مازال أبعد ً ً مثاال فضال عن قلة الدراسات التي تستند إلى الواقع الفعلي والبحوث الميدانية الحقيقية (انظر ما يكون عن المأمول والمنتظر منه. لهذه النوعية من الدراسات الميدانية :قرقوتي 2006؛ عبد هللا .)2009 ً ارتباطا بالتوجهات وتعود أسباب ذلك إلى العديد من األمور؛ منها عدم رغبة األفراد في الحديث عما يقومون به من أعمال خيرية ً خاصا بين العبد وربه .كما يعود ً أيضا إلى عدم رغبة القائمين على هذه عمال الدينية التي تدعو إلخفاء الصدقات والزكاة لكونها ًّ الجمعيات في الحديث مع الباحثين وتقديم المعلومات والتسهيالت المختلفة التي ترتبط بالجمعيات والمؤسسات الخيرية التي يضطلعون بها .ومن المالحظ وجود نقص كبير في الدراسات التي تناولت موضوع الجمعيات الخيرية في العالم العربي رغم وجود بعض المقاالت والدراسات األيديولوجية المنطلقة من توجه ديني متحيز يثمِّن العطاء االجتماعي ،ويركز في األساس على الشخصيات القائمة بهذا العطاء والتبرعات المختلفة المق َّدمة منهم ،بينما ال تركز هذه المقاالت والدراسات كثيرً ا على النواحي التنظيمية والمؤسساتية ً إضافة إلى عدم التركيز على الجوانب السلبية والعقبات المختلفة التي تواجه العطاء االجتماعي في العالم والقدرات المرتبطة بها، العربي بعامة ومصر بخاصة (حول أمثلة لهذا النوع من الكتابات ،انظر :الخرافي ،2007والعمري 2011؛ وكمثال للدراسات التي تنطلق من منظور إسالمي بحت ،انظر :القرضاوي 2008؛ زينو 2007؛ عبد العال .)1997 وتبرز الحاجة لمثل هذه الدراسات الخاصة بالجمعيات الخيرية في ضوء اتساع نسب الفقر في مصر لمستويات غير مسبوقة اآلن، ً خصوصا في العقود الثالثة الماضية. إضافة إلى تراجع أدوار الدولة المرتبطة بمساعدة الفقراء والتخفيف من حدة الفقر الذي يواجهونه، ً وفي ضوء هذا التراجع الحاد في األدوار الرسمية الخاصة بمساعدة الفقراء يصبح الدور الشعبي المتمثل في األفراد والجمعيات الخيرية هو البديل الرئيس لغياب دور الدولة وضمان ظروف حياتية أكثر إنسانية لشرائح واسعة من الشعب المصري من الفقراء، ومن المرشحين للدخول في عالم الفقر والع َوز والحاجة (انظر2008 Ibrahim and Sherif :؛ رمضان 2010؛ الهطالي .)2010 خصوصا العديد من اإلشكاليات التي تتعلق بالمفاهيم وتثير المسائل الخاصة بدراسة العطاء االجتماعي عمومًا والجمعيات الخيرية ً واألطر النظرية وكيفية التناول المنهجي (انظر2007 Bekkers and Wiepking :؛ 2004 Karoff؛ .)2009 Rudich ويرجع ذلك إلى أن العطاء االجتماعي يشمل الفرد واألسرة والجماعات والمجتمعات المحلية إلى أن يصل لمستويات تشمل الدولة كأهم الوحدات الفاعلة في التركيبة الكونية اإلنسانية الحديثة .فالفرد يمثل أهم لبنة في المجتمعات البشرية المختلفة ،ومن ثم يمثل الفاعل األول والرئيسي في العطاء االجتماعي والممارسات المرتبطة به؛ وبدون تلك الممارسات الفردية يصعب الحديث عن العطاء االجتماعي وما يرتبط به من أشكال العطاء اإلنساني المختلفة. وال يختلف المجتمع المصري عن غيره من المجتمعات في تأثير العامل الفردي على العطاء االجتماعي والممارسات الخيرية المختلفة؛ ففي كل المجتمعات البشرية يلعب هذا العامل دورً ا كبيرً ا في هذه الممارسات ،لكن األمر الالفت للنظر يتمثل في أن هناك العديد من المجتمعات التي استطاعت أن ِّ تؤطر األعمال الخيرية ضمن مؤسسات وجمعيات تساهم في تحديد مسارات العطاء االجتماعي وتعظيم الفوائد المرجوة منه .ويلعب تأطير العطاء االجتماعي ضمن مستوياته المؤسسية دورً ا كبيرً ا في توجيهه الوجهة المجتمعية المرجوة 6 7 في إطار االحتياجات المطلوبة والضوابط المحددة م ً ُسبقا من ِقبل هذه المؤسسات والقائمين عليها .كما أن هذه المؤسسات تكتسب من خالل الممارسات الخيرية المتواصلة خبرات جديدة وتنتج كوادر على قدر كبير من اإللمام باحتياجات المجتمعات المحلية التي يتعاملون معها ،ومن ثم احتياجات األفراد فيها (انظر :موسى 2009؛ الهطالي .)2010 َّ المنظم ،والذي نعني به وجود جمعيات كثيرة في منطقة الدراسة ،وبالتأكيد في غيرها ويرتبط ذلك بعنوان الدراسة الخاص بالتكافل غير المأسسة Institutionalizedالالزمة للعمل الخيري ونجاحه في أداء قدر ما من َ من المناطق العشوائية والفقيرة األخرى ،بدون تحقيق ٍ المهمات المطلوبة منه ،والتي ال تقف عند المساعدة فقط ،بل تتجاوز ذلك لتغيير األفراد أنفسهم ومساعدتهم على تطوير واقعهم المعيش اقتصاديًّا واجتماعيًّا وربما سياسيًّا .كما يرتبط ذلك ً أيضا بعدم وجود تنظيم فعلي وحقيقي وفاعل بين هذه الجمعيات والمؤسسات المختلفة ُّ يصب في النهاية لصالح المجتمع المحلي وتمكين الفقراء الموجودين به (حول مفهوم التكافل االجتماعي في اإلسالم ،انظر :عبد العال بما ً 1997؛ وحول دور العطاء االجتماعي ممثال في الوقف في تطوير المناطق العشوائية انظر :سعيد .)2008 وال يقف األمر فقط عند وجود مؤسسات من عدمه ،لكن األمر يتع َّدى ذلك إلى مستوى هذه المؤسسات والخبرات المرتبطة بها والتي تتفاوت من مجتمع آلخر ومن بنية ألخرى .فمن الواضح وجود فروق كمية وكيفية في قدرات العمل المؤسسي الخيري بين المجتمعات الغربية ومثيلتها في المجتمعات العربية؛ ُ فاألولى طورت أسسً ا تنظيمية هامة استطاعت من خاللها تكريس العطاء االجتماعي بشكله المؤسسي وربطه في الوقت نفسه بالممارسات الفردية وأنواع العطاء المرتبط بها ،بينما مازالت الثانية تعمل ضمن ارتباطاتها الفردية والمحيط ً الحقا ،وهو أمر أفقدها قدراتها االستقاللية التنظيمية التي تتيح لها العمل المؤسسي وفق قواعد القريب المرتبط بها كما سوف نوضح معينة ومحددة ،كما أنه َّ أخر من إمكانية تأسيس كوادر مدرَّ بة ومُلمَّة بالعطاء االجتماعي ِوفق قواعد والتزامات مجتمعية وتنظيمية فاعلة. وفي ضوء ما سبق ،تحاول الدراسة الراهنة التعرف على وضعية الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور؛ التي تُعتبر واحد ًة من ً مؤسسة قد ترتبط بمسجد أو قد تكون مستقلة عنه ،تقوم بتقديم الخدمات أكثر المناطق شعبية وتكدسً ا في مصر .ونعني بالجمعية الخيرية الخيرية للمحتاجين من يتامى وفقراء ومعوزين ،كما تقدم بعض الخدمات األخرى مثل دفن الموتى ودور الحضانة والتسفير للحج والعمرة وتوفير بعض فرص العمل ،وتكتسب عملها الرسمي من خالل إشهارها ً وفقا للقوانين المعمول بها في وزارة التضامن االجتماعي .وتنبع ً إضافة إلى كثرة الجمعيات الخيرية أهمية منطقة بوالق الدكرور من تنوع الشرائح االجتماعية بها من فقراء وطبقات وسطى وأغنياء، بها ،والتي ترتبط باألساس بالمساجد التي تعتبر مسرحً ا ها ّمًا إلنشاء واستقطاب العطاء االجتماعي فيها .وتسعى الدراسة الراهنة إلى تناول مجموعة من الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور ،وهي متنوعة إلى ح ٍّد ما من ناحية النشأة وحجم النشاط والتوجهات الخاصة بها ً الحقا .وسوف نحاول من خالل تحليلنا لهذه الجمعيات التعرف على السمات العامة المشتركة فيما بينها ،ومستوى الجانب كما سوف نبيِّن التأسيسي الخاص بها ،ودرجة تطوره وإفادته للسياق المجتمعي المحيط بها ،وطبيعة استراتيجيات العمل وتصورات تطويرها إن وُجدت. ويستدعي فهم السلوكيات المرتبطة بالعطاء االجتماعي االنطالق من مجموعة من األسس النظرية المختلفة والجمع فيما بينها ،رغم أنها ً أوال بالمدخل الغيري Altruistic Approach؛ الذي يرى في العطاء تأتي من مداخل نظرية مختلفة .وترتبط هذه التوجهات النظرية ً سلوكا فرديًّا موجهًا باألساس نحو مساعدة اآلخرين وتخفيف أعبائهم ،بما يحرِّ ر الفرد المعطي من توجهاته األنانية المنغلقة على االجتماعي نفسه .ويرى هذا المدخل أن النزعة الخيرية غريزية لدى الفرد ،األمر الذي يدفعه ال محالة إلى مساعدة اآلخرين والوقوف بجانبهم وتخفيف آالمهم؛ فالعطاء يمثل حاجة للفرد البد من إشباعها من خالل التواصل مع المحيطين به ومساعدتهم .ويستند التوجه الفلسفي لهذا المدخل إلى قاعدة أساسية ترى أن القيام بالعطاء االجتماعي عمل إنساني ال ينتظر أية إعالن أو مثوبة أو تقدير .وتبرز أكثر أنواع هذا العطاء من خفي ومستتر ال نعلم عنه أي شيء ،وهي حالة شائعة الحدوث في المجتمعات اإلنسانية خالل ما يقدمه األفراد من مساعدات لآلخرين بشكل ّ بعامة ،والمجتمعات اإلسالمية والعربية بخاصة .والنقطة الهامة في هذا المدخل ،والتي تميزه عن غيره من المداخل األخرى ،أنه ال يركز على المصلحة الفردية للقائمين بفعل العطاء ق ْد َر تركيزه على تحقيق مصالح المتلقين لهذا العطاء .وعلى الرغم من تأسيس المدخل الغيري على النزعات الفردية القائمة على إشباع الرغبة في مساعدة اآلخرين فإنه يؤكد ً أيضا على أن العطاء االجتماعي يمثل قيمة اجتماعية ً سلوكا فرديًّا باألساس ،لكنه يتسع ليصبح قيمة اجتماعية يحبذها Social Value؛ فالتبرع بالدم ،على سبيل المثال ،يمثل في الجوهر منه ً المجتمع ويدعو إليها ويقدر فاعليها (انظر ،19-17 :2009 Rudich :وانظر أيضا1978 Darlington :؛ 1995 Spiegel؛ وحول مراجعة لألدبيات المتعلقة بالغيرية في علم االقتصاد واالقتصاد السياسي ،وعلم األحياء التطوري ،وعلم النفس انظر.)1994 Monroe : وترى نظرية التبادل االجتماعي Social Exchange Theoryأن اإلنسان كائن عقالني يتصرف ً وفقا لما يحققه من مصالح في ضوء تعظيم االستفادة القصوى من المصادر المتاحة له .وهذا يعني أن العطاء االجتماعي ال يتم في ضوء الرغبة في التخفيف عن أعباء اآلخرين المعوزين والمحتاجين فقط ،بقدر ما يتم ً أيضا في ضوء تحقيق مصالح مقدمي العطاء االجتماعي .فإذا كان المدخل الغيري يرى العطاء االجتماعي مسألة غريزية لدى الفرد تتحقق بهدف إسعاد اآلخرين فإن نظرية التبادل االجتماعي -في ضوء تأكيدها على المنافع المتحققة من العالقات التبادلية بين األفراد -ترى أن فعل العطاء االجتماعي يحقق منافع متبادلة بين ٍّ كل من المتبرعين والمتلقين عبر عملية العطاء االجتماعي والجوانب المختلفة المرتبطة بها .فاألثرياء على سبيل المثال يقومون بالعطاء االجتماعي ً رغبة في إعالء مكانتهم االجتماعية والحصول على المزيد من التقدير المجتمعي لما يق ِّدمونه من عطاءات مختلفة .وفي ضوء هذه النظرية ،فإننا ننتقل من مجهولية فعل العطاء االجتماعي الفردي إلى عالنية هذا الفعل واالعتداد به مجتمعيًّا .والالفت للنظر هنا أنه على الرغم من أهمية العامل الفردي في العطاء االجتماعي فإن الدراسات أثبتت أن حجم العطاء االجتماعي يزداد كلما تم إبرازه واإلعالن عنه مقارنة بإخفائه وعدم اإلعالن عنه (انظر .)21:2009 Rudich :وترى نظرية التبادل االجتماعي أهمية وجود ثقافة عامة تؤكد على العطاء االجتماعي والعمل الخيري بما يشيع من الممارسات الخيرية المختلفة ،ويساعد على انتقالها من اآلباء إلى األبناء ،ومن جيل آلخر (حول مراجعة لنظرية التبادل االجتماعي ،انظر.)2005 Cropanzano and Mitchell : ويحاول نموذج التوحد Identification Modelتجاوز جوانب الضعف في كال االتجاهين السابقين من خالل الجمع بين مشاعر الفرد الغيرية وبين تحقيقه لمنفعته الذاتية؛ ً فوفقا لهذا المدخل فإنه يوجد توحُّ د بين أفعال الفرد الخيرية وبين تحقيقه لمصالحه الخاصة؛ فتحقيق األولى يمثل عقلنة لحياته وتعظيمًا لمنافعه الشخصية .ويرى هذا المدخل في العالقات بين المتبرع والمتلقي امتدا ًدا لعالقاتنا اليومية مع أسرنا وأصدقائنا ،كما أنها تشكل ً ووفقا لهذا النموذج يوجد محددان رئيسان في النهاية دعمًا لتوجهاتنا الدينية القائمة على حب هللا واالرتباط به (انظر.)22 pp ,2009 Rudich : من التوحد بين المتبرع والمتلقي« ،أولهما يتعلق بالسمات الشخصية التي تشجع وتدعم السلوك الخيري ،وثانيهما يتعلق بالمشاركة المجتمعية من جانب المتطوعين» ( .)23 :2009 Rudichفنحن هنا أمام نموذج يجمع بين سمات األفراد وبين السياقات المجتمعية التي يعيشون فيها ،والتي قد تدعم ثقافة العطاء االجتماعي أو ال تدعمه .من هنا فإنناً ، وفقا لهذا النموذج ،ال يمكن أن نتجاهل أهمية النوازع الفردية الخيرة ،كما ال يمكننا التعامل مع هذه النوازع نظريًّا وميدانيًّا بدون ربطها بطبيعة المجتمع الحاكم والمحدد لها. ً ً فروضا بحثية تساعد على فهم واقع الممارسات ووفقا لما سبق ،تنطلق الدراسة الراهنة من مجموعة من األسس النظرية تمثل بالنسبة لنا الخيرية للجمعيات المدروسة: 1 .1ينطلق العمل الخيري من بواعث فردية ذاتية في األساس ،تتحدد بالتركيبة الشخصية لكل فرد ،وبمستوى المشاعر اإلنسانية الخاصة به ،والتي تتفاوت من فرد آلخر. ً 2 .2رغم هيمنة البواعث الفردية على الممارسات الخيرية فإنها ترتبط أيضا بالسياق المجتمعي العام الذي يوجد فيه األفراد؛ ُّ وتجذر ثقافة العطاء االجتماعي ً وفقا للممارسات الفردية والجمعية التي تحض فالمجتمعات تتفاوت فيما بينها في مدى قوة على أهمية هذا العطاء ودوره في تخفيف أوضاع المحتاجين وتحسين أوضاعهم المعيشة ،وهو أمر يساعد على نقل ممارسات العطاء االجتماعي من مستوياتها الفردية التلقائية إلى مستوياتها المؤسساتية المنظمة. 3 .3يتطور العطاء االجتماعي المؤسسي في ضوء حركية القيادات المسؤولة عنه ،وغياب هيمنة القيم األبوية والعائلية التي تكبل من حركيته وتقوِّض تطوره وانفتاحه على رؤى وأفكار وقيم جديدة. 4 .4رغم أهمية العامل الديني في دعم قيم العطاء االجتماعي فإنه قد يُضعف من ثقافة الممارسات المدنية ككل ،ويحصر العطاء االجتماعي في الممارسات القائمة على مساعدة الفقراء والمحتاجين بدون أن يؤدي إلى تمكينهم وتطوير الظروف المختلفة المحيطة بهم وبذويهم. تساؤالت البحث في ضوء ما سبق ،تتحدد تساؤالت البحث الراهن على النحو التالي: .1 .2 .3 .4 .5 8 9 1ما هي أهم أشكال العطاء االجتماعي التي تتلقاها المؤسسات الخيرية في بوالق الدكرور؟ وما هي أشكال التغيرات التي لحقت بها؟ 2ما هي أهم الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات ،ومدى صالحيتها وكفايتها لسكان منطقة بوالق الدكرور؟ 3ما هي أهم بواعث العطاء االجتماعي الموجهة لعمل المؤسسات الخيرية؟ 4ما هي أهم العوامل التي تؤثر على العطاء االجتماعي سلبًا وإيجابًا؟ 5ما هي سبل تطوير عمل هذه المؤسسات في ضوء استراتيجيات العمل المطروحة؟ منهجية التحليل نحاول من خالل الدراسة االستطالعية الراهنة التعرف على أوضاع خمس عشرة جمعية خيرية في منطقة بوالق الدكرور( .)1وقد مثَّلت هذه المجموعة من الجمعيات الخيرية عينة عمدية تمت في ضوء قبول المسؤولين عنها والعاملين بها إجراء مقابالت معهم؛ حيث إن هناك العديد من المسؤولين عن جمعيات أخرى لم نوفق في مقابلتهم إما لتعارضات خاصة بالوقت وإما لرفضهم الحديث معنا عن ً معلال ذلك بأن الجمعية أنشطة الجمعيات والخدمات التي يقدمونها .كما أن البعض اآلخر أكد على أنه ليس هناك ما يمكن تقديمه لنا تقوم بعمل الخير لوجه هللا دون الرغبة في الحديث عنه -على حد تعبيرهم .ورغم ذلك فقد كانت هذه العينة العمدية كافية إلى ح ٍّد كبير من أجل التعرف على الخدمات المختلفة التي تقدمها هذه الجمعيات ومدى نجاحها في مهامها ،والجوانب السلبية واإليجابية المرتبطة بها ،إضافة إلى التعرف على استراتيجيات العمل ،ومدى وعي المسؤولين بها. وتمت المقابلة مع المسؤولين عن هذه الجمعيات أو أحد القائمين عليها أو بعض العاملين بها ،وذلك عبر استخدام أداة مقابلة اشتملت على رؤوس الموضوعات التالية: 1 .1التعرف على ظروف وأسباب نشأة الجمعية. 2 .2وصف الجمعية وطبيعة المكان الذي توجد فيه. 3 .3طبيعة الخدمات المق َّدمة من الجمعية والوظائف التي تقوم بها. 4 .4نوعية التبرعات التي تتلقاها الجمعية ،ونوعية المتبرعين ،والشرائح االجتماعية التي ينتمون لها. 5 .5دور العامل الديني في الممارسات الخيرية. 6 .6الرؤية االستراتيجية لعمل الجمعيات الخيرية وكيفية تفعيلها وتطويرها. الجانب التحليلي لجمعيات العطاء االجتماعي ً أوال :الطابع العائلي والديني المرتبط بنشأة الجمعيات من المالحظ أن نشأة معظم هذه الجمعيات في منطقة بوالق الدكرور يرتبط في األغلب األعم بالنشأة العائلية باألساس .وكلمة «عائلية» ً ارتباطا أوليًّا ال تعني قيام مجموعة من األفراد ينتمون لعائلة واحدة بإنشاء جمعية خيرية وتحديد المهام الخاصة بها ،لكنها تعني ملحقة بالمسجد بشكل مباشر وقد تحمل بإنشاء مسجد يقوم أحد األفراد ببنائه؛ غالبًا الوالد أو الجد ،ويعقب ذلك تأسيس جمعية خيرية َ اسمه ،أو منفصلة عنه نسبيًّا لكنها تظل بدرجة أو بأخرى مرتبطة به ولو على مستوى اإلعالن وإدراك الناس لها .ففي اثنتي عشرة جمعية من عينة الدراسة -فيما عدا جمعية رؤية العين التي أسسها رجل أعمال ،وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي؛ التي كانت في األصل مرتبطة بجامع الشوربجي الكبير قبل أن تنفصل عنه بسبب إشراف وزارة األوقاف عليه وتأسيس لجنة زكاة خاصة به ،وأخيرً ا جمعية دار هداية الرحمن -تم تأسيس جمعيات ملحقة بالمسجد بشكل مباشر ومرتبطة به ،إلى الحد الذي تحمل فيه هذه الجمعيات اسم المسجد التابعة له ،بغض النظر عن االسم الرسمي المشهرة به الذي حصلت عليه من وزارة الشئون االجتماعية .قد تمثل هذه الجمعية شقة في الدور الثاني من المسجد ،أو قد تمثل حجرة اجتماعات لمجلس إدارة الجمعية؛ حيث تتوقف الطبيعة المكانية للجمعية على حجم المسجد ذاته وطبيعة بنائه. ًإذا فالقاعدة هي إنشاء المسجد ً أوال كرمز ديني لدى المصريين في كافة المناطق ،شعبية أو راقية ،فقيرة أو غنية ،ثم يلي ذلك التفكير في إنشاء جمعية خيرية مُشهرة ،ملحقة ومرتبطة به .وفي مصر نماذج مشهورة ج ًّدا لجمعيات خيرية ارتبطت بمساجد كبيرة تقدم خدمات للمواطنين مثل جمعية مسجد مصطفى محمود في المهندسين وجمعية مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر .وما نقصده بالطابع العائلي لهذه الجمعيات يتعلق بأن الفرد الذي يقوم بتأسيس المسجد هو الذي يُنشئ الجمعية ويحصل على ترخيص لها ،ومن ثم يتابعها أوالده وأحفاده فيما بعد .صحيح أن طبيعة المتابعة تتغير بمرور الزمن ،ويتم تحديثها من خالل إنشاء مجالس إدارة لها ،لكن المالحظ وجود أقارب من الدرجة األولى من عائلة الشخص المؤسِّ س للجمعية بجانب دخول أفراد آخرين من المقيمين في الحي .ورغم الدور الهام الذي يقوم به المؤسِّ سون في عمل ومتابعة الجمعية فإن استمراريتهم في العمل لفترات طويلة يضفي عليها قدرً ا كبيرً ا من الجمود وعدم التغيير والتطور المنشودين ،وهي آفة عامة ترتبط بكافة المؤسسات الرسمية سوا ًء كانت حكومية أو مدنية. ومما يساعد على هذا االنتشار الكبير للجمعيات الملحقة بالمساجد أنها ال تكلف ً شيئا سوى الحصول على موافقة الجهات الرسمية ووجود عدد مناسب من األعضاء على األقل في مرحلة اإلشهار ،والبدء في جمع التبرعات التي تأتي في البداية من المسجد والصناديق الملحقة به ،وبشكل خاص عقب صلوات الجُ َمعات المختلفة .ورغم تصور البعض للمسجد بوصفه مصدرً ا ماديًّا للجمعيات الخيرية الملحقة به فإن ما يحدث هو أن المسجد يتحول بمرور الوقت ليصبح ً عبئا على الجمعية الخيرية والميزانية الخاصة بها .فقد أجمع القائمون على الجمعيات المدروسة أن صندوق المسجد غير مضمون ثبات عوائده؛ فالمسألة رهن بتبرعات األفراد من خالل شرائح اجتماعية تنتمي في الغالب األعم للطبقات الفقيرة ومتوسطة الحال؛ وهذه الشرائح رغم اهتمامها بالعطاء االجتماعي المرتبط بالمسجد فإن ظروفها وأوضاعها االجتماعية تحول دون ثباتها على التبرع الدائم والمستمر والمتصاعد ،فما يتم الحصول عليه في يوم ال يتم الحصول عليه في يوم آخر عبر صندوق التبرعات الخاص به .ورغم أهمية هذه التبرعات بالنسبة للمسجد ومن ثم الجمعية فإنها غير مضمونة وغير ثابتة العائد ،كما أنها تتراجع بشكل الفت للنظر في ضوء التدهور االقتصادي الذي تواجهه الشرائح االجتماعية المتوسطة والفقيرة ً وفقا لما قاله العديد من المسؤولين عن هذه الجمعيات ،وهو ما يزيد العطاء ً صعوبة ويقلِّص من أنشطة هذه الجمعيات والخدمات المق َّدمة منها للفقراء والمحتاجين. االجتماعي وال يقف األمر عند ضعف العائد من صناديق المسجد فقط ،لكنه يرتبط بتحول المسجد ليصبح ً عبئا على ميزانية الجمعية التي تقوم بالصرف عليه والتكفل بالطلبات الخاصة به؛ فالمسجد يرتبط بتكاليف كثيرة مثل العمالة والصيانة الشهرية والدورية التي تشمل أعمال الدهانات وتجديد دورات المياه وتغيير السجاد وتصليح الميكروفونات وغيرها من اللوازم المختلفة والعديدة المرتبطة به .ورغم ذلك فإن َّ الحضانة التي من خاللها تنبثق فكرة إنشاء جمعية خيرية ،كما أنه يمنح الجمعية شرعية الوجود الشعبي المرتبطة بالمجتمع المسجد يمثل المحلي ،ويساعد بدرجة أو بأخرى على جمع التبرعات الخاصة بها .فالتبرعات ال ترتبط بالصناديق المتوفرة في المسجد فقط ،لكنها ترتبط بالعالقات الشخصية المباشرة ،والتي يلعب المسجد فيها دورً ا كبيرً ا في تهيئة المناخ لها عبر الصالة وما يحدث فيها من تواصل ً سابقا من أن يومي بين المصلِّين ومناقشة احتياجات المسجد من ناحية والجمعية الملحقة به من ناحية أخرى .وهي مسألة تؤكد ما ذكرناه المشاركة المجتمعية تدعم ثقافة العطاء ومن ثم توسِّ ع من دائرة ممارسات العطاء الفردي. وفي أغلب األحيان ،يرتبط التفكير في إنشاء جمعية خيرية باألساس بتقديم خدمات عاجلة للمجتمع المحلي المحيط بالمسجد ،كما أن الرؤية شخص ما معروف في الحي وله المرتبطة بعملية اإلنشاء غالبًا ما تكون رؤية دينية أبوية تعكس في العمق منها تصورً ا فوقيًّا من جانب ٍ بقدر من الثراء يتيح له التبرع بقطعة األرض الالزمة لبناء المسجد أو القيام بجزء كبير من أعباء حيثية لدى بقية األفراد ،كما أنه يتمتع ٍ بنائه ،كما يتيح له طرح مسألة إنشاء جمعية خيرية وتحديد الخدمات المختلفة المرتبطة بها .وهو أمر يدعم مركزية عمل هذه الجمعيات وال يتيح تنوع الرؤى وتغيرها من فترة ألخرى بما يفيد المجتمع المحلي ،ويساعد على تمكين الفقراء. ثانيًا :تواضع المكان وقلة الكوادر العاملة مقرا لها من خالل تخصيص حجرة ملحقة به أو عدة حجرات إذا ما كان المسجد كبيرً ا ،وذلك من تجد معظم هذه الجمعيات في المسجد ًّ أجل القيام بأعمالها والمتطلبات الخاصة بها .وبخالف الجمعيات الملحقة بالمساجد فإن الجمعيات األخرى تستقر في شقة متواضعة من أجل القيام باألعمال المطلوبة منها ،واستقبال الحاالت والتعامل معها. ً مثال تتنوع األنشطة ما بين جمعية خيرية ومستوصف كامل للخدمات الطبية ويتوقف األمر على حجم المسجد؛ ففي مسجد الصفا والمروة وذلك بسبب كبر حجمه الذي يصل لثالثة أدوار على مساحة كبيرة .واألمر يكون على غير ذلك في الكثير من المساجد األخرى التي ً إضافة إلى ذلك تتفاوت مساحات ترتبط بجمعيات خيرية ،والتي تتسم بضيق المساحة وعدم كفايتها ألية أنشطة أخرى بخالف الصالة. الجمعيات الخيرية المستقلة؛ فالبعض منها -مثل جمعية رؤية العين الخيرية وجمعية تنمية المجتمع المحلي في الشوربجي -يقع في دورين كاملين في أحد البنايات ،وهو ما يتيح لها تعد ًدا في األنشطة ،وبشكل خاص وجود حضانة لألطفال في ٍّ ً إضافة لعمل دورات كل منهما، تدريبية ومعرض مالبس ونادي خاص بالنساء ومركز إعداد لألسر المنتجة .وبالطبع فإن هذه األنشطة تتم ً أيضا بجانب األنشطة التقليدية المتعارف عليها في الجمعيات الخيرية. ّ بغض النظر عن طبيعة المكان ومدى وال ترتبط هذه الجمعيات بأماكن مستقلة ومؤهلة بشكل كبير للعمل الخيري ،فمعظمها يقوم بالعمل مالءمته له ،بل إن بعض هذه الجمعيات يمارس عمله من خالل ساحة المسجد نفسه ،ويقوم بتقييم الحاالت وعمل الميزانية وجمع التبرعات من خالل هذه الساحة التي تجمع بين الممارسات الدينية والممارسات الخيرية في الوقت نفسه .وطالما أن الخدمات المرتبطة بهذه الجمعيات تنحصر بشكل عام ،إال فيما ندر ،في إطار المساعدات المالية للفقراء والمحتاجين فسوف تظل هذه الجمعيات في غير حاجة لمكان متسع وأفضل بعي ًدا عن المسجد يمكن من خالله أن تتنوع األنشطة وتتسع الخدمات. والالفت للنظر هنا وعي بعض المسؤولين عن هذه الجمعيات بهذه الوضعية وتأكيدهم على أن العطاء االجتماعي ال يحتاج لمكان واسع وفخم خاص به ،بقدر ما يرتبط بجهود األفراد وتواضعهم من أجل خدمة الفقراء ومد يد العون لهم .ولعل ذلك هو ما جعل البعض ممن قابلناهم من المسؤولين عن هذه الجمعيات والمساهمين في العطاء االجتماعي بها يرون أنه ال يليق بأن تكون مباني 10 11 الجمعيات الخيرية فاخرة بدرجة كبيرة ،األمر الذي يتعارض مع جهودها في العطاء االجتماعي ومساعدة الفقراء .وقد ضرب ً مثال لنوعية هذه الجمعيات ببنك الطعام الذي انتقدوا مبانيه الفاخرة ج ًّدا وطبيعة العاملين به ،ورأوا في ذلك ما يتعارض مع البعض الهدف النبيل المرتبط به والخاص بمواجهة الجوع ومساعدة المحتاجين. ّ وبغض النظر عن مجالس إدارات هذه الجمعيات التي تتشكل غالبًا من أبناء أو أحفاد َمن بنى المسجد ،فإن العاملين فيها بأجر يكونون محدودين بشكل كبير ،بل إن بعض الجمعيات يعتمد على الجهود الذاتية من جمع التبرعات وتنظيم الميزانيات وتحديد طبيعة المساعدات بعد مقابلة الحاالت وتقييمها .إضافة إلى ذلك فإنه نظرً ا لصغر أماكن هذه الجمعيات ومحدودية األدوار التي تقوم بها فإنها ال تحتاج لعمالة كثيرة مكلفة ،فبعض هذه الجمعيات يعتمد على فرد واحد أو فردين لمجرد فتح الجمعية في ساعات محددة وقليلة، غالبًا ما تبدأ من العاشرة صباحً ا وحتى الثانية أو الثالثة بعد الظهر ،بهدف استقبال الحاالت .كما أن البعض اآلخر منها يكتفي بجهود مخصص للقيام بأعمال الجمعية بشكل رسمي وبراتب منتظم .كما أن الشخص الذي يتم تعيينه يكون من األعضاء بدون تعيين شخص َّ أهل المنطقة المحيطة بالجمعية /المسجد ،ويكون على صلة بأحد األعضاء أو القائمين على أعمال الجمعية بحيث ال يكلف الميزانية راتبًا كبيرً ا ويكون مضمو ًنا من ِقبَل الشخص الذي َّ رشحه وعلى قدر كبير من الثقة واألمانة. ً ثالثا :أنواع العطاءات االجتماعية التي تتلقاها الجمعيات تمثل التبرعات أهم الجوانب الهامة التي يعتمد عليها عمل الجمعيات الخيرية بشكل عام ،وتلك الموجودة في المناطق الفقيرة والعشوائية بشكل خاص. ً ً إضافة إلى ذلك تعتمد هذه الجمعيات أشكاال عديدة منها صناديق المساجد التي سبق وأن أشرنا إليها في دعم الجمعيات الخيرية. وتأخذ التبرعات على التبرعات التي تأتيها من خالل إيصاالت الجمعية ً وفقا للمبالغ التي يتبرع بها األفراد .وهي تبرعات متواضعة ً أيضا لكنها تمثل نسبة كبيرة من إجمالي التبرعات التي يقدمها األفراد غالبًا ألهداف دينية مثل الزكاة والصدقات وأعمال الخير المختلفة .وقد بين المسؤولون عن هذه الجمعيات أهمية هذه التبرعات من ناحية أنها تشكل رك ًنا ها ّمًا من أركان ميزانية الجمعيات رغم ضآلتها ،ومن ناحية أخرى ألنها تأتي من عدد كبير من المواطنين .ويلفت النظر هنا المغزى الديني إليصال التبرع من خالل المحددات التي يختارها المتبرع ألمواله والتي توجد في الكثير من الجمعيات: كفالة يتيم ،صدقة جارية ،زكاة مال ،وأخيرً ا زكاة فطر. ً إضافة إلى ذلك ،فقد أشار الكثير من المسؤولين عن هذه الجمعيات إلى وجود بعض المتبرعين الكبار الذين يموِّلون الجمعيات بشكل سنوي شبه ثابت ،من خالل شيكات يتم صرفها .والغريب أن هذه التبرعات تأتي من أفراد ال ينتمون للمنطقة .فقد ذكر أحد المسؤولين عن إحدى هذه الجمعيات بأن هناك شركتين تقومان بالتبرع بشيك سنوي للجمعية بقيمة ألف وخمسمائة جنيه للشيك الواحد؛ أوالهما شركة مساهمة مصرية في مدينة نصر وثانيتها مكتب مقاوالت في الجيزة ،وتم التعرف على الشركتين من خالل العالقات بأفراد آخرين ،والالفت للنظر أن الشركتين تتبرعان بهذه المبالغ من خالل حساب الزكاة الخاصة بهما .كما تجدر اإلشارة إلى أن القبول بالدفع تم بعد زيارة مسؤولين من ِقبَل الشركتين للجمعية وتأكدهما من األدوار الهامة التي تقوم بها في مساعدة الفقراء والمحتاجين .وترتبط باقي الجمعيات ببعض وخصوصا رجال األعمال والمقاولين. األفراد الذين يتبرعون بمبالغ سنوية كبيرة نسبيًّا من حساب زكاة المال الخاصة بهم، ً ويلفت النظر هنا أن شهر رمضان يمثل شهرً ا فري ًدا بالنسبة لحجم التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية سوا ًء في جانبها المادي أو المعنوي .وقد وصف أحد المسؤولين شهر رمضان بأنه يمثل فترة رواج للجمعيات ككل ،األمر الذي يمثل مخزو ًنا كبيرً ا يساعد على مواجهة العجز المتوقع في الشهور التالية .وكشف بعض المسؤولين ً أيضا عن قيام بعض الشركات بدفع زكاة المال في شهر رمضان من أجل تعظيم األجر والثواب ،وهو تصوُّرً ، وفقا للمسؤول نفسه ،ال يُعرف مدى صحة تفسيره. رابعًا :الخدمات األساسية المشتركة بين الجمعيات الخيرية يمكن القول بأن هناك تشابهًا كبيرً ا بين الخدمات التي تقدمها جمعيات الدراسة الراهنة بما في ذلك الجمعيات غير المرتبطة بالمساجد. ويعود ذلك بدرجة أو بأخرى إلى طبيعة منطقة بوالق الدكرور التي تتسم بدرجة عالية من الفقر بين المقيمين ،واحتياج العديد من األسر لمثل هذه الخدمات من ِقبَل الجمعيات الخيرية .وفي هذا السياق يمكن القول ً أيضا بأن تلك الجمعيات ال ترتبط بتصور مسبق خاص بالعمل الخيري أو أية رؤى جديدة الحتياجات المنطقة ،ومن ثم المقيمين؛ فمباشرة يتجه الراغبون في إنشاء الجمعية نحو األهداف والخدمات المتعارف عليها من ِقبَل جمعيات أخرى مجاورة مثل دفن الموتى ومساعدة المحتاجين والفقراء واأليتام وبرامج الحج والعمرة ...إلى غير ذلك من الخدمات التي يمكن أن نطلق عليها «الخدمات األساسية للجمعيات الخيرية» مما سوف نوضحه فيما يلي: 12 13 •كفالة األيتام ومساعدتهم :يأتي في مقدمة هذه الخدمات كفالة اليتيم لما له من أهمية خاصة لدى المسلمين ،وارتباط ذلك بحث الرسول عليه .وتمثل كفالة اليتيم َّ ً عميقا يرتبط بالعديد من الممارسات األخرى الخاصة به .ونعني بمفهوم «المركب مركبًا خيريًّا الخيري» ذلك الفعل الخيري الموجَّ ه لفئة معينة والذي يرتبط بالعديد من الممارسات األخرى التي تفيد اليتيم وأسرته .فالمالحظ ً فأوال يتم توجيهها ألسرته من أجل تغطية مصروفات التعليم هنا أن توجيه التبرعات لليتيم يتم في ضوء العديد من الممارسات؛ والملبس ،وثانيًا تقوم بعض األسر بكفالة كافة احتياجات اليتيم إلى أن ينهي تعليمه ،أو على األقل ينهي مراحل هامة منه ،وثالثاً تقوم بعض الجمعيات بالمساعدة في تجهيز العرائس اليتيمات المقبالت على الزواج وهي مسألة محددة بأل َفي جنيه كحد أقصى للحالة الواحدة ،وأخيرً ا يتم تنظيم االحتفاالت والرحالت الدائمة الخاصة باليتامى ،وبشكل خاص االحتفال بيوم اليتيم ،مع ما توفره هذه النوعية من االحتفاالت من تقديم هدايا عينية مختلفة. ً شرطا هنا أن يكونوا من األيتام؛ فمن الممكن •المساعدات االجتماعية :توجه هذه المساعدات االجتماعية للحاالت غير القادرة ،وليس أن يتم توجيه هذه المساعدات ألسر كاملة من األب واألم واألبناء ،شريطة االحتياج وعدم كفاية الدخل .وكما لعب العامل الديني دوره الكبير في تقديم المساعدات لأليتام فإنه بالمثل يقوم بدور هائل في الحث على مساعدة المحتاجين والفقراء ً وفقا لتوجيهات القرآن الكريم .ولعل ذلك يتوافق مع طبيعة البطاقات الدعائية واإلعالنية (البروشورات) الخاصة بهذه الجمعيات والتي تستخدم آيات قرآنية وأحاديث نبوية من أجل حث الناس على التبرع وتخفيف األعباء عن الفقراء والمحتاجين .وتجدر اإلشارة هنا إلى أن أحد المسؤولين عن هذه الجمعيات قد بيَّن لي أهمية إثارة عاطفة الناس نحو المحتاجين والفقراء ،وبشكل خاص عبر استخدام اآليات القرآنية واألحاديث النبوية ،التي تحضهم على المزيد من التبرع من خالل التقرب إلى هللا وضمان الجنة .وترتبط المساعدات بمبالغ محددة يتم الحصول عليها شهريًّا بشكل نقدي مباشر ً وفقا لإلمكانيات الخاصة بكل جمعية على حدة ،كما قد يتم صرفها من خالل تحمل المصروفات الخاصة باألسرة وسدادها نيابة عنها مثل دفع مصروفات المدارس لمن ال يستطيعون ذلك ،إضافة إلى دفع مستحقات الكهرباء والمياه وغيرها من مستلزمات األسر األخرى .وفي ظل زيادة نسب الفقر وتراجع دور الدولة تواجه ً ضغوطا متزايدة من شهر آلخر بسبب زيادة أعداد المحتاجين في ظل تراجع التبرعات والميزانيات الخاصة بها. هذه الجمعيات •دفن الموتى :من أبرز الخدمات التي تقدمها تلك الجمعيات خدمة دفن الموتى ،وهي مسألة على قدر كبير من األهمية في ظل وجود الكثيرين من الفقراء في هذه المناطق ممن ليس لهم مدفن خاص بهم وبأسرهم ،كما أن الكثيرين منهم من الفقراء النازحين من محافظات بعيدة ،األمر الذي يزيد من صعوبة عملية نقل الجثث إليها ،ناهيك عن التكلفة العالية .وترتبط خدمة دفن الموتى َّ للمتوفى والقيام بعملية النقل عبر سيارة دفن الموتى التي تمتلكها بعض هذه الجمعيات بمسألتين أخريين تتعلقان بتوفير الكفن وليس كلها .فمن خالل الجمعيات المدروسة وجدنا ثالث جمعيات منها تمتلك سيارة لدفن الموتى .كما وجدنا جمعية أخرى قامت ببيع السيارة الخاصة بها نظرً ا ل ِقدمها ،وتحاول اآلن جمع التبرعات من أجل شراء سيارة جديدة .ويوضح القائمون على الجمعيات ممن ال يمتلكون سيارات بأنهم يقدمون خدمة نقل الموتى بالتعاون مع الجمعيات األخرى نظير مبلغ يتحدد ً وفقا لبعد المدفن ،حيث يتم دفع سبعين جنيهًا للمدافن التي تقع في الفيوم أو في السادس من أكتوبر ،كما يتم دفع خمسين جنيهًا للمدافن ً َّ المتوفى إضافة إلى ذلك تقوم بعض الجمعيات بخدمة نقل الموتى للمحافظات البعيدة في حالة رغبة أهل التي تقع وسط القاهرة. ْ دف َنه في المحافظات التابع لها ،وذلك نظير جنيه ونصف الجنيه عن كل كيلومتر تقطعه السيارة. •اإلطعام :تقدم كافة الجمعيات سلة أطعمة للفقراء والمحتاجين تشمل المتطلبات األساسية لألسرة من زيت وأرز ومكرونة ودقيق ولحوم وغيرها من االحتياجات األخرى ،بما يساعد على مواجهة أعباء الحياة اليومية ،في مسألة على قدر كبير من األهمية بالنسبة للفقراء تتعلق بمواجهة الجوع وعوامل التغذية المختلفة .وقد تقوم الجمعية مباشرة بالعمل على توفير هذه االحتياجات بما يُعرف بحقيبة الطعام من خالل ميزانياتها الخاصة ،وقد تقوم بتوفير ذلك من خالل الشراكة مع بنك الطعام الذي يقوم بسداد نصف التكلفة وتقوم الجمعية بسداد النصف اآلخر بعد التأكد من قدرتها على السداد وتقييم ما تقوم به من خدمات للمجتمع المحلي المحيط بها .ويكشف أحد القائمين على جمعية الخدمات االجتماعية والدينية الملحقة بمسجد أبو الليل ،وهي الجمعية الوحيدة بين جمعيات الدراسة التي لها عالقة شراكة مع بنك الطعام ،أن الجمعية قدمت طلبًا للشراكة مع البنك الذي قام بدوره بإرسال أفراد من ِقبَله للتيقن من القدرة المالية للجمعية التي تسمح لها بالحصول الشهري على الطعام والقيام بالسداد. ويكشف هذا المسؤول أن البنك قد وافق على التعامل مع الجمعية ضمن أربع جمعيات أخرى فقط في منطقة بوالق الدكرور التي تعج بالجمعيات الخيرية .ومن المالحظ أن عملية اإلطعام هذه تستدعي زيادة في اإلنفاق المستمر بسبب ارتفاع أسعار ً فوفقا للمسؤول في الجمعية السابقة فإن تكلفة حقيبة الطعام التي يقدمها بنك الطعام قد زادت من خمسين السلع المختلفة، جنيهًا إلى خمسة وسبعين جنيهًا ،وهو أمر يمثل ً عبئا على الجمعية حيث إنها تدفع للبنك نصف التكلفة ويتحمل البنك النصف اآلخر .ويرتبط بعملية اإلطعام ً أيضا ما يُعرف في مصر بموائد الرحمن التي تنتشر في شهر رمضان والتي تساهم فيها الجمعيات الخيرية بقسط كبير ضمن مساهمات األفراد العاديين الذين تزداد مساهماتهم في هذا الشهر الكريم. ً تحوال في طبيعة الخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية؛ ففي ضوء تعدد وتنوع •عالج المرضى :تفرض التطورات المجتمعية األمراض التي تصيب المصريين في السنوات األخيرة ورفع الدولة يديها عن دعم الفقراء صحيًّا واجه المصريون أعبا ًء مضاعفة في مواجهة األمراض التي تصيبهم ،وهو أمر أضاف خدمة جديدة بالنسبة للكثير من الجمعيات الخيرية في مصر .إن مسألة توفير العالج الالزم أصحبت واحدة من أهم الخدمات التي تتوج بها الجمعيات الخيرية مجهوداتها اآلن في مصر ،إلى الحد الذي ً نسب جعل أحد المسؤولين عن إحدى جمعيات الدراسة يرى أن البند الخاص بالعالج «أخطر من أي بند آخر» معلال ذلك بارتفاع َ المرضى في مصر ،وظهور أمراض كثيرة ومزمنة لم يعتدها المصريون من قبل .ومن خالل ذلك يرى أن فتح خط عالجي مع األطباء والمستشفيات يمثل قيمة مضافة للخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية اآلن .كما يرى أن المسألة تحتاج إلى جهد من ً فعال لخدمات طبية ال تستطيع تحمل تكلفتها ،وثانيتها التعرف على األطباء ناحيتين أوالهما التعرف على الحاالت التي تحتاج والمستشفيات وطبيعة الخدمات والتبرعات التي يمكن أن يقدموها والتي تتراوح بين تحمل التكلفة الكلية للعالج والتنازل عن بعض التكلفة لصالح المرضى .وفي ضوء ذلك فقد كشف هذا المسؤول عن أنه استطاع توفير ما يقرب من خمسين عملية قلب مفتوح من ً قائال« :هناك بعض األطباء خالل التواصل مع األطباء والمستشفيات وطلب المساهمة منهم في إجراء مثل هذه العمليات ،ويضيف الذين يسهل التعامل معهم وطلب الخدمات المجانية كاملة منهم ،وهناك البعض اآلخر يقبل بالمساهمة الجزئية ،وأخيرً ا هناك البعض الذي ال يسمعنا ،ويمكن قول الكالم نفسه بالنظر للمستشفيات وطبيعة المساهمة الخاصة بها» .وإذا كان بنك الطعام يتعامل بالشراكة مع الجمعيات الخيرية من أجل توصيل الطعام للفقراء والمحتاجين فإن بنك الشفاء المصري يتعامل مع الحاالت المرضية المرسلة له من ِقبَل الجمعيات الخيرية حيث يقوم بتقييمها والتعرف على احتياجاتها الصحية ثم يقوم بعالجها ً وفقا إلمكانياته َ المتاحة .وباستثناء كافة الجمعيات المدروسة التي تقوم بإرسال بعض الحاالت التي لديها من أجل العالج ،فإن جمعية رؤية العين الخيرية قامت بعمل برنامج عالجي لديها يُطلق عليه «برنامج الرعاية الطبية األساسية» يتم من خالله توفير مجموعة من األطباء والصيدليات والمعامل التحليلية التي يمكن للمتعاملين معها استخدامها والتواصل معها بأسعار مجانية أو رمزية. خامسا :الخدمات غير األساسية التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية ً ً مشتركا بين جمعيات عينة الدراسة ،توجد مجموعة أخرى من بجانب هذه المجموعة من الخدمات األساسية التي تكاد تكون قاسمًا الخدمات غير األساسية التي تتنوع من جمعية ألخرى ً وفقا لطبيعة نشأتها والتوجهات واألهداف الخاصة بها وطبيعة المكان واإلمكانيات المتوفرة لها .وتتمثل هذه الخدمات في قيام بعض هذه الجمعيات بحل النزاعات التي تندلع بين الجيران بما في ذلك المشكالت التي تنشأ بين المسيحيين بعضهم ببعض ،أو بين المسلمين بعضهم ببعض ،أو بين المسلمين والمسيحيين .وتكتسب هذه الخدمة أهمية كبيرة ومتصاعدة في ضوء المكانة الكبيرة التي يتحلي بها القائمون على الجمعيات الخيرية ،ومعرفة أهل الحي المحيط بالمسجد أو الجمعية بهم وبأهميتهم كفاعلين اجتماعيين .وهي مسألة تتسق مع ما سبق أن ذكرناه حول هيمنة الفلسفة األبوية والدينية في العطاء االجتماعي ،ومن ثم في التأثير على حل المشكالت والنزاعات التي تنشأ بين األفراد في المنطقة .وفي ظل ضعف الدور األمني ً متمثال في أقسام الشرطة وارتفاع حدة النزاعات بين المواطنين في المنطقة تبدو أهمية هذه الخدمة والجوانب اإليجابية المرتبطة بها، وعلى رأسها تخفيف التوتر بين المقيمين والتخلص من أعمال العنف والمشكالت االجتماعية المختلفة. ومن بين الخدمات األخرى التي تقوم بها الجمعيات الخيرية -والتي تمثل بدايات جنينية غير واضحة المعالم لجهود هذه الجمعيات - مسألة المساعدة في إقامة المشروعات الصغيرة لبعض الحاالت المعوزة في المنطقة ،وهي جهود أولية ج ًّدا في ضوء عدم نجاح أغلبها في استمرارية المشروعات التي بدأتها ،وفي ضوء العدد القليل الذي تم من هذه المشروعات؛ فقد بيَّن معظم مسؤولي هذه الجمعيات عدم اهتمام المواطنين بالمشروعات ،ورغبتهم فقط في الحصول على البضاعة ،مع وجود قدر كبير من اإلهمال في متابعة العمل والمشروعات الصغيرة التي وفرتها الجمعية .واألمثلة على هذه النوعية من المشروعات المحدودة عديدة؛ مثل توفير عربة كارو وحمار لرجل يريد أن يبيع الخضار والفاكهة ،وتوفير الخبز باالتفاق مع أحد األفران المرأة يمكنها أن تبيعه في أي مكان في المنطقة ،أو توفير بعض المواد الغذائية البسيطة مثل السكر والشيبسي والمكرونة وغيرها من لوازم البيت ألحد األشخاص لكي يبيعها أمام منزله ،أو مشروع عربة كبدة صغيرة مع توفير كافة المواد الغذائية المطلوبة لبدء العمل بها ،واستئذان أحد أصحاب المقاهي من أجل السماح لوقوف الشخص للعمل في جزء من مقهاه أو أمامه ،أو توفير ّ حضانة لعمل الزبادي ،وأخيرً ا توفير الخضار والفاكهة لمن يريد أن يبيعهما .ويكشف أحد المسؤولين الذين بدأوا تقديم خدمة المشروعات الصغيرة للمحتاجين عن أن نسبة تسعين بالمائة ( )٪90من هذه ً فشال ذريعًا ،وذلك بسبب عدم رغبة الناس في العمل الجاد ومتابعة عملهم .وتكمن مشكلة هذه المشروعات في المشروعات قد فشلت أنها مرتبطة بميزانية محددة ال يمكن تجاوزها ،فمن غير الممكن أن يتم وضع عشرة آالف جنيه في مشروع واحد بينما المتوفر ضمن ميزانية الجمعية ال يتجاوز عشرين ألف جنيه ،لذلك فإن معظم هذه الجمعيات تهتم بالمشروعات صغيرة الحجم التي توفر عائ ًدا محدو ًدا للمحتاجين بغية الحفاظ على ميزانية الجمعية وصرفها في مصادرها المعهودة لأليتام والفقراء والمحتاجين .كما تتبنى بعض الجمعيات ً دخال ً ثابتا على هذه األسر. مثل جمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي مشروعات تتعلق باألسر المنتجة عبر ترويج منتجاتها بما يُ ِدرُّ وبجانب ذلك ،توجد أنشطة خدمية أخرى ترتبط بالجمعيات الخيرية مثل رحالت الحج والعمرة التي تمثل فيها الجمعيات دور الوسيط بين من يريد الحج أو العمرة من أعضاء الجمعية وبين شركات التسفير المختلفة ،إضافة إلى إنشاء حضانة في أحد حجرات الجمعية لألطفال، وتنظيم برامج تعليمية للنساء .وفي أعقاب الثورة المصرية ،زاد ً أيضا استضافة الشيوخ المعروفين من أجل إلقاء المحاضرات على سكان ً مسبقا ويتم وضع ملصقات بها على جدران المساجد المختلفة. المنطقة ،حيث تتحدد مواعيد هذه المحاضرات وعلى ذكر مسألة العضوية ،فقد بيَّن أحد المسؤولين أن رسْ م االشتراك السنوي لعضوية الجمعيات الخيرية بسيط ج ًّدا ال يتجاوز الخمسة ً نيابة عن األعضاء حتى ال يتم إغالق الجمعية ً وفقا للوائح وزارة الشئون االجتماعية .وبجانب جنيهات ،ورغم ذلك تقوم الجمعية بدفعه ذلك توجد بعض األنشطة األخرى التي ترتبط بنوع الجمعيات ،وهي أنشطة ترفيهية وخدمية في الغالب األعم .ففي جمعية رؤية العين الخيرية ،وهي جمعية تمتلك إمكانيات مالية كبيرة بسبب ارتباطها بأحد رجال األعمال ،يتم تنظيم بعض المعارض الخاصة بالمالبس الجديدة والمستخدمة ألهل المنطقة ،إضافة إلى إقامة بعض الدورات الرياضية بالتعاون مع نادي بوالق الدكرور ،وأخيرً ا القيام ببعض الرحالت الترفيهية لليتامى .كما قامت بعض الجمعيات األخرى بعمل أنشطة رياضية مختلفة مفيدة للمتعاملين مع الجمعية .ورغم ذلك يمكن القول بأن هذه األنشطة عابرة وغير أساسية بالنسبة لنشاط هذه الجمعيات التي تهتم أساسً ا بتوجيه الخدمات مباشرة للفقراء واليتامى والمحتاجين. سادسا :الجمعيات الخيرية بين هيمنة العامل الديني وتراجع العامل المدني ً ً بداية من إنشاء المسجد أو المؤسسات والجمعيات الخيرية، ال يغيب دور العامل الديني عن العطاء االجتماعي في أيٍّ من جوانبه المختلفة، مرورً ا بجمع التبرعات الفردية والجمعية .ويرى أحد المسؤولين عن إحدى الجمعيات أن العطاء االجتماعي ليس له ضمانة في االستمرار إال من خالل التوجه الديني واالستعانة به .ورغم حديثي معه حول دور المجتمع المدني بشكل عام في دعم العطاء االجتماعي والترويج ً إضافة إلى ذلك فقد تبين أن المواطنين في المناطق الفقيرة يفضلون التبرع للمؤسسات الدينية التي يثقون له فإنه بدا غير مقتنع بذلك. فيها بسبب طابعها الديني وارتباطها بالمسجد .ونظرً ا للطابع الثقافي المتواضع للمواطنين في هذه المناطق ،فإنهم ال يعرفون سوى تلك الجمعيات الدينية المرتبطة بالمساجد ،بل إنهم في أحيان كثيرة يرتبطون بشخص شيخ معين يثقون فيه وبتوجيهاته ألمور الزكاة ومصارف التبرعات المختلفة (حول التأثيرات الهائلة المرتبطة بالعامل الديني بالنظر لفعل الخير والتبرع والعطاء االجتماعي ،انظر :موسى .)2009 كما أن صدور بعض الفتاوى التي تحض على استخدام الزكاة والصدقات للجمعيات الخيرية ،وغيرها من منافذ الخدمات العامة مثل المستشفيات ،قد ساعد بدرجة كبيرة على توجيه جانب كبير من الزكاة ،وبشكل خاص زكاة المال لهذه المؤسسات ،األمر الذي يدعم عملها ويساعد المحتاجين والفقراء ويفتح ً آفاقا أوسع للعطاء االجتماعي في هذه المناطق. وبشكل عام ،فإنه ال يمكن توسيع دائرة العطاء االجتماعي في مصر بدون ارتباطها بالدوافع الدينية ،على األقل لفترات طويلة قادمة. فالمصريون بشكل عام ،مسلمون وأقباط ،يفضلون العطاء االجتماعي المرتبط بالدوافع الدينية .ويتفق ذلك مع رؤية نظرية التبادل االجتماعي Social Exchange Theoryوالتي ترى أن العطاء االجتماعي يحقق للفرد نوعً ا من اإلشباع الذاتي والمنفعة العقالنية ،على األقل من خالل تعظيم مكانة الفرد المتبرع هو وأسرته ،وتصويره في صورة المحسن الطيب المرتبط بتعاليم دينه؛ فتصوُّر أن المساعدات خصوصا في ظل مجتمعات والتبرعات مرتبطة بمساعدة الفقراء فقط تصوُّر يفترض نوعً ا من المثالية المفرطة في السلوك اإلنساني، ً يغلب عليها الممارسات والتوجهات الدينية .فواقع التبرعات يرتبط بشكل رئيس بتحقيق قدر من اإلشباع الديني وااللتزام بالتوجيهات الدينية المختلفة الواردة في القرآن والسنة النبوية ،األمر الذي يحقق للفرد من جانب آخر قدرً ا من اإلشباع النفسي المرتبط بالحساب األخروي. ورغم الدور الكبير للعامل الديني في العطاء االجتماعي ،فإن األمر يستدعي توسيع هذه الرؤية وتدعيم ارتباطها بالمجتمع المدني والجوانب المختلفة الخاصة به .وتكمن أهمية هذا التوسع في أنه يربط العطاء االجتماعي برؤى مجتمعية جديدة بما ينوِّع من الخدمات المقدمة وال يحصرها في مساعدة الفقراء والمحتاجين فقط .فالمالحظ أن الجمعيات الخيرية مازالت تحصر نفسها في إطار التوجه الديني المفرط، األمر الذي يحرمها -رغم الخدمات العديدة التي تقدمها -من توسيع رؤيتها للخدمات المقدمة للمجتمعات المحلية التي توجد فيها، ً فضال عن أنها تخلق أسرً ا وأفرا ًدا وتحصرها في المساعدات الفورية فقط؛ وهي التي قد ال تسمن وال تغني من جوع في أحيان كثيرة، يستمرئون المساعدات المقدمة لهم ويتعودون عليها وال يطورون من واقعهم وال يسعون إلى تغييره. ومما يزيد من صعوبة تحول هذه الرؤية الدينية إلى رؤية مجتمعية مدنية أشمل ،أن القائمين على هذه المؤسسات ال يمتلكون ً محترفا للعمل الخيري؛ تصورً ا يتأسس على رؤى استراتيجية بعيدة المدى لمواجهة الفقر وتقديم مساعدات تصورً ا مهنيًّا حقيقية للفقراء والمحتاجين تمكنهم من تغيير واقعهم ،وتساعدهم على االندماج في المجتمع عبر قيامهم بأعمال تخصهم وتجنبهم االستمرار في تلقي المساعدات .وهو ما سوف نناقشه باستفاضة في النقطة التالية الخاصة بكيفية تطوير العملي الخيري. 14 15 سابعًا :الرؤية االستراتيجية لعمل الجمعيات الخيرية وكيفية تفعيلها وتطويرها من الجوانب الهامة التي ترتبط بأي عمل مؤسسي ضرورة وجود رؤى آنية لمواجهة تحديات الواقع والمتطلبات الملحة الخاصة به ،ووجود رؤى استراتيجية من أجل التطوير والتقدم ،وتحسين مستوى األداء ،وتكريس فعل التغيير ،وتحقيق تمكين فاعل للبشر المستهدفين .وإذا كان العطاء االجتماعي في جمعيات الدراسة الراهنة يرتبط بشكل مباشر بالواقع اليومي المعيش وينغمس فيه بشكل كبير فإنه ال يقدم لنا أطرً ا استراتيجية جديدة لتطوير هذا الواقع وتحسينه إلى ح ٍّد بعيد .وربما يعود ذلك لضعف اإلمكانيات بشكل كبير وزيادة مستويات الفقر، األمر الذي يمنع من تكوين أية أطر استراتيجية جديدة تساعد على تطوير العطاء االجتماعي (حول التعريف بالتخطيط االستراتيجي الخاص للمنظمات غير الربحية ،انظر :أليسون وكاي 2006؛ وحول متطلبات نجاح العطاء االجتماعي من خالل تطوير أساليب العمل، انظر :موسى 2009؛ وانظر 2009 Chew :في تناولها للوضع االستراتيجي للجمعيات الخيرية بالتطبيق على الحالة البريطانية). وتتسم الرؤى االستراتيجية للقائمين على عمل هذه الجمعيات بالقصور الشديد ،بل إن الكثير منهم ال يعنيه العمل المتطور بعيد المدى، بقدر ما يعنيه مواجهة متطلبات الواقع الحالي ،وسد احتياجات الحاالت المسجلة لدى الجمعيات .يقول أحد المسؤولين الذين تحدثت ً كاشفا عن ضعف اإلمكانيات التي تحت يديه ،والتي تشكل بالنسبة معهم حول التطور االستراتيجي للجمعيات بعامة وجمعيته بخاصة، ً ضعفا مزم ًنا في التوسع وتقديم المزيد من الخدمات األخرى: إليه ً فمثال محو األمية موضوع «ليست لديَّ اآلليات وال اإلمكانيات التي تساعد على التوسع في عمل مشروعات دائمة للمحتاجين، صعب التنفيذ بسبب عدم وجود مكان يستوعب الدارسين ،كما أنني فكرت في عمل مشغل يتم من خالله توفير العمل للفتيات ،وهذا يحتاج لميزانية كبيرة ،واألهم من ذلك أنه يحتاج لمكان واسع ً أيضا ،كما أنني أعاني من ضعف الجانب اإلعالمي للجمعية ،بمعنى تعريف الناس بها وباألنشطة المختلفة التي تقدمها». وتثير كلمات هذا المسؤول العديد من القضايا الهامة المرتبطة بالصعوبات التي تواجه العطاء االجتماعي في المنطقة ،وهي تنطبق بشكل كبير على باقي الجمعيات األخرى ،كما أنها ترتبط ً أيضا بظروف النشأة وضعف التعاون بين مؤسسات العطاء االجتماعي ذاتها .فمن بين أبرز القضايا التي تُضعف من كفاءة العطاء االجتماعي وتنتهي به إلى مواجهة قضايا الفقر العاجلة عبر المساعدات الفورية عدم وجود أماكن مناسبة تساعد على التوسع في األنشطة ومواجهة االحتياجات المختلفة لسكان المنطقة ،وبشكل خاص ما يتعلق بموضوعات محو األمية والتشغيل وغيرها من المشروعات التي تنقل الفرد من مستوى تلقي المساعدات إلى مستوى التمكين والتطور والفعالية .بل إن الجمعيات التي لديها أنشطة فعلية جديدة مثل وجود حضانة لألطفال تعاني من ضيق المساحة وعدم قدرتها على تطويرها ،واستيعاب عدد أكبر من األطفال مثل جمعية رؤية العين وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي. وترتبط هذه القضية بجانب آخر يتعلق بعدم التنسيق بين الجمعيات المختلفة ،أو بشكل أكثر دقة عدم التنسيق بين المساجد المختلفة بما يخلق توجها عا ّمًا لحلول جذرية للمنطقة؛ فكل مسجد يريد أن تكون له جمعيته الخاصة ومنطقته الخاصة وشيخه الخاص والقائمون عليه ،ناهيك حتى عن المصلين المرتبطين به والمتبرعين له؛ فهناك حالة تشرذم غير عادية بين المساجد بما ِّ يعطل من اإلجماع الواعي على طرق جيدة خاصة بالعطاء االجتماعي الحقيقي والجاد بعي ًدا عن التنافس والصراع .ففي المناطق الشعبية ،توجد مساجد كثيرة بشكل مفرط ج ًّدا، مقارا لها ،وهو والكثير من هذه المساجد يرتبط بجمعيات خيرية ،إضافة إلى العديد من الجمعيات األخرى التي تتخذ من الشقق العادية ًّ أمر يُحدث وال شك تُخمة غير حميدة في عدد هذه الجمعيات بدون التنسيق الواعي فيما بينها حول التخصص في خدمات دون غيرها، وبشكل يؤدي إلى تكرار الخدمات بدرجة كبيرة مثل مساعدة األيتام والفقراء ،إلى الحد الذي ذكر فيه أحد المسؤولين وجود أسر تحصل على مساعدات من أكثر من جمعية خيرية .كما أن هذه الوضعية تساعد على زيادة نسبة االحتيال من جانب الفقراء والمحتاجين على هذه الجمعيات ،وهو ما صرح به الكثير من المسؤولين عن هذه الجمعيات. ويرتبط ضعف التوجه االستراتيجي بضعف المشاركة الشعبية من جانب األفراد ،التي يمكن أن توسع من دائرة العمل التطوعي ومن مستوى الرؤى المرتبطة بالتطوير والتحديث لعمل هذه الجمعيات وأنشطتها المختلفة .فمعظم حدود المشاركة تقف في األغلب األعم عند التبرعات التي يقدمها األفراد للمساجد أو للجمعيات ،أما العمل التطوعي والمشاركة والمتابعة لألنشطة والحاالت المختلفة المتلقية للمساعدات فإنها تكاد تكون غير موجودة .وهي مسألة أكد عليها كل المسؤولين عن هذه الجمعيات ،مؤكدين غياب األفراد شبه التام عن المشاركة الفعلية في أنشطة الجمعيات ،ورغم ذلك فإنه يمكن رد ذلك إلى الطابع المركزي األبوي لهذه الجمعيات الذي يفضل من خالله القائمون علي شئونها تدبر أمورها المختلفة بدون إشراك أية أفراد آخرين ،وبدون توسيع دائرة المشاركة والحوار ،وهو أمر يرتبط ً أيضا بضعف المشاركة السياسية والمدنية في مصر خالل العقود الماضية. وال يرتبط ضعف المشاركة بضعف العمل التطوعي وعدم إقبال األفراد عليه فقط ،لكنه يتعدى ذلك إلى أن معظم األفراد ال يتابعون تبرعاتهم للجمعية .فقد كشف بعض المسؤولين عن هذه الجمعيات أنهم يرتاحون بصورة أقوى للشخص الذي يسأل عن مآل التبرعات الخاصة به؛ حيث يصحبونه بأنفسهم للـتأكد من وصول التبرع لمستحقيه من األيتام واألرامل والفقراء .ويرى القائمون على هذه الجمعيات أن هذه المسألة على قدر كبير من األهمية في تدفق التبرعات ،فثقة المتبرع من أن أمواله تصل لمستحقيها يُنتج أمرين هامين للغاية؛ أولهما الثقة في القائمين على الجمعية ،وثانيهما إيمانه بأهمية التبرعات التي يقوم بها حينما يرى تأثيرها على الفقراء والمعوزين ،مما يدفعه لبذل المزيد من التبرعات وتحوله هو ذاته إلى جامع تبرعات عبر أقربائه وأصدقائه ومعارفه. إن عملية متابعة التبرعات والتيقن منها هامة ج ًّدا في خلق شبكات اجتماعية ممتدة من المتبرعين تتدعم عبرها الثقة ويزداد التشبيك والتواصل االجتماعي وتتوسع الخدمات وتتنوع األهداف. وفي ضوء ذلك ،يمكن القول بأن الناظم المشترك لحركة العطاء االجتماعي هو ناظم أقرب للفردية أو الجماعات الصغيرة ج ًّدا من األفراد أكثر منه ناظم مؤسسي مجتمعي أوسع .فالجمعية ترتبط باألساس بشخص معين أو عدد محدود من األفراد يتولون تقريبًا كافة المهام الخاصة بتوزيع العمل وتنظيم التبرعات وتوزيعها .وفي ضوء غياب رؤية جمعية للعمل وعدم اشتراك المقيمين في المنطقة في عمل هذه الجمعيات ،وبشكل خاص كيفية توجيه التبرعات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ،تنشأ حالة من االتهامات للقائمين على الجمعية وبشكل خاص فيما يتعلق بذممهم المالية ،والكيفية التي يتصرفون بها في التبرعات التي يتلقونها (حول أبرز مشكالت الجمعيات األهلية في مصر والتي تشمل الشللية وهيمنة كبار السن وضعف الخبرات اإلدارية ،ومن ثم استبعاد الشباب واف ألهم الصعوبات التي تواجه عمل من القيام بدوره ،انظر :تقرير الشبكة العربية للمنظمات األهلية 2007؛ وحول تفصيل ٍ المؤسسات الخيرية في العالم العربي ،انظر :موسى .)2009 ورغم هذه الصورة القائمة على الفردية والشللية ،فإن بعض المسؤولين يرون أنهم يطورون من كيفية العمل الخاص بالجمعيات التي يتولون رعايتها ،ويؤكدون على أن هذه الجمعيات تتطور بشكل أكبر مما كانت عليه في مرحلة النشأة والتأسيس .ويأتي على رأس الجوانب التي تطورت في عمل هذه الجمعيات -والتي مثلت أهمية حيوية بالنسبة للكثيرين منهم -تطوير القدرة على تقييم الحاالت ً فعال تحتاج للمساعدة أم أنها تدعي ال َع َوز والفقر .وهذه المسألة ،والتأكيد عليها من قبل العديد من القادمة للجمعية ،وتحديد ما إذا كانت المسؤولين عن هذه الجمعيات ،تكشف عن تشابه أنشطتها وعدم تمايزها بما يصب في النهاية في عدم مصلحة المجتمع المحلي وتمكين أفراده ،وتوجيه المساعدات وجهتها الصحيحة. يقول أحد المسؤولين عن هذه الجمعيات موضحً ا المهارة التي اكتسبتها جمعيته في تحديد مدى االحتياج من جانب الحاالت التي تتقدم بطلبات المساعدة: «تتسم أنشطة الجمعية بالدقة؛ فالحاالت التي يتم صرف معونة شهرية لها تتم من خالل دراسة ميدانية تح ِّدد مدى احتياج الحالة، والوضع المادي لها ،ولديَّ هنا في الجمعية ثالث نساء ورجل يتولون تقييم الحاالت وهم من أعضاء مجلس اإلدارة ،وتتم مراجعة الحاالت كل سنتين من أجل التأكد من استحقاقها لإلعانة والتعرف على التغيرات المادية التي حدثت لهم .ومن خالل هذا التقييم يمكن أن نقرِّ ر االستمرار في مساعدة الحالة من عدمه ،فبعض الحاالت تتحسن حالتها المادية العتبارات كثيرة مثل زواج األم أو عثور األبناء الكبار على عمل وغيرها من العوامل األخرى ،فالمتقدمون للحصول على المساعدة ال يطلبون من جرَّ اء أنفسهم رفع المساعدة حال تغيُّر الظروف المادية الخاصة بهم ،فالناس أميل للكذب واالحتيال». ويرى مسؤول آخر أن مسألة تقييم الحاالت تُعد واحدة من أهم الخبرات التي تكتسبها الجمعيات الخيرية وتُطور العمل من خاللها حيث يقول: «من أهم األعباء الملقاة على عاتق هذه الجمعيات هو دراسة الحاالت؛ فمعظم هذه الجمعيات تفتقد القدرة على تقييم الحاالت المحتاجة ،على األقل في بدايات النشأة األولى ،وهو ما يؤدي في بعض األحيان إلى وصول اإلعانات والمساعدات لغير مستحقيها ،ولكن من الواضح أن هذه الجمعيات تطوِّر من أداء العمل الخاص بها بمرور الوقت ،وتكتسب القدرة على تقييم الحاالت وتحديد مدى احتياجها للمساعدة ،وذلك من خالل خبرات العمل اليومية واالحتكاك باألفراد». ومن مالمح تطوير العمل التي يؤكد عليها القائمون على هذه الجمعيات الخيرية ضمان استفادة الحالة من المساعدة المقدمة لها ،أي التأكد من تعظيم الفائدة للمتلقين .ويأتي ذلك في ضوء الخبرات المكتسبة للعاملين في هذه الجمعيات والتي ترى بأن ما نسبته ثمانين بالمائة ( )٪80من الحاالت المحتاجة ال يمكنها االستفادة من المساعدات التي تتلقاها ،ونضرب مثالين هنا للتوضيح من خالل ما حصلنا عليه عبر المقابالت مع مسؤولي هذه الجمعيات .ففي إحدى الجمعيات يقوم المسؤولون بشراء بوتوجاز للفتيات اليتيمات المقبالت على الزواج بما قيمته سبعمائة وخمسون جنيهًا ،وهو من نوعية جيدة ،ومن الممكن بهذا المبلغ شراء بوتوجاز وغسالة من نوعية غير جيدة ،وقد اكتشف 16 17 ً بديال عن األغلى ثم ًنا وتقديمه للحالة فإنها تبيعه بمبلغ يقل القائمون على الجمعية أنه في حالة شراء بوتوجاز رخيص بثمن أربعمائة جنيه ً مقدمة لشراء البوتوجاز السالف الذكر ،أي الذي بمبلغ سبعمائة وخمسين جنيهًا ،ومن ث َّم فقد قرر القائمون على عن سعره وتدفع المبلغ الجمعية شراء البوتوجاز األغلى الذي تفضله الحاالت لتفادي بيع البوتوجاز الرخيص والخسارة العائدة على الحالة .أما الحالة الثانية فهي تكشف عن عدم قدرة الفقراء بشكل واضح على التصرف في المبالغ التي يحصلون عليها نق ًدا؛ ففي خالف بين أعضاء إحدى الجمعيات فإنهم انقسموا بين من رأى منح اليتيمات المقبالت على الزواج مبلغ المعونة المقرر بحد أقصى أل َفي جنيه للحالة الواحدة ،وبين من رأى شراء أجهزة المطبخ التي تشمل الغسالة والثالجة والبوتوجاز؛ حيث انتهى القرار بمنح الفتاة مبلغ اإلعانة من أجل شراء أجهزة المطبخ المقررة ً سلفا .وبمتابعة الحالة اكتشف القائمون على الجمعية أن الفتاة اشترت بالمبلغ طاقم أكواب فاخرة ومالبس لها .وبالطبع فقد تم صرف قيمة المعونة لمجرد شراء أكواب للمطبخ ومالبس للعروس بدون أن يضيف ذلك لها ً شيئا جوهريًّا لمتطلبات الزواج مثلما كان الوضع عليه لو اشترت أجهزة المطبخ الثالثة الهامة المتمثلة في الغسالة والثالجة والبوتوجاز. النتائج في ضوء ما سبق يمكن إيجاز نتائج الدراسة فيما يلي: 1 .1مازال العطاء االجتماعي يواجه العديد من السلبيات المرتبطة بضعف التمويل وقلة مشاركة األفراد الفعلية ،على األقل فيما يتعلق بالعمل التطوعي. 2 .2تعاني المؤسسات الخيرية في منطقة الدراسة من عيوب الجمعيات الخيرية بشكل عام المتمثلة في األبوية والمركزية ،األمر الذي يحرم األجيال الجديدة من المشاركة ،كما يحرم هذه المؤسسات من إمكانية اإلبداع وطرح رؤى وتصورات جديدة للتغيير والتطوير. 3 .3حتى في الحاالت التي تتجاوز فيها الجمعية الطابع العائلي ،فإنها تظل مقتصرة على مجموعة محدودة من العالقات الشخصية والشبكات االجتماعية المكونة من األصدقاء والمعارف في دعم العطاء االجتماعي ومتابعته. 4 .4مازالت مؤسسات العطاء االجتماعي ترتبط باألنشطة التقليدية المتعارف عليها من مساعدة لأليتام والفقراء والمعوزين ،والقليل منها يقدم أنشطة جديدة مثل إنشاء دور للحضانة وبرامج تدريبية وتعليمية ومشروعات إنتاجية محدودة. 5 .5تتسم أنشطة هذه الجمعيات بالتكرار الكبير ،وهو ما ينعكس في تشابه الخدمات واألنشطة ،ويفتح الباب واسعًا لنمطية الخدمات بدون تنوع أو تجديد ،كما يفتح الباب واسعًا ً أيضا الحتيال الكثير من الحاالت وحصولها على المساعدات من أكثر من جمعية خيرية. 6 .6بشكل عام ،يمكن القول بأن العطاء االجتماعي يجمع بين المشاعر الغيرية التي تهتم بمساعدة اآلخرين بعي ًدا عن أية رغبة في إظهار الذات مجتمعيًّا ،وبين الرغبة في تأكيد الذات والحصول على التثمين المجتمعي؛ فمن المالحظ أن البعض ال يحب أن يعرف اآلخرون تبرعاته وقيامه بأفعال الخير ،بينما يحب البعض اآلخر عبارة رجل البر واإلحسان ،ولعل ذلك ما يكشف عن الصحة الجزئية للمدخل الغيري ولنظرية التبادل االجتماعي. 7 .7يمكن القول بأن أكبر المشكالت التي تواجه الجمعيات في منطقة الدراسة تتمثل في ضعف التبرعات ،وبالتالي عدم ثبات الميزانية وقدرتها على مواجهة تعاظم نسب الفقر واالحتياج في المنطقة .كما تعاني هذه الجمعيات ً أيضا من فقر البنى التحتية الخاصة بها ،والتي تلزمها بالعمل من خالل المساجد ،وتقصرها على أنشطة المساعدات بدرجة كبيرة ،حيث المباني المتواضعة واإلمكانيات المحدودة. 8 .8باإلضافة لفقر البني التحتية ،فإن هذه الجمعيات تعاني من فقر الرؤية التي تلتزم فقط بالجانب الديني وال تتسع لتشمل المجتمع المدني المحيط ،وهي مسألة ال تُسأل عنها الجمعيات فقط لكنها تعود بجذورها للضعف العام في المشاركة المدنية والسياسية في المجتمع المصري عبر عقود طويلة من هيمنة الدولة واحتكارها لممارسات المواطنين .لكن رغم ذلك تتحمل هذه الجمعيات - وبشكل خاص المرتبطة بالمساجد -مسؤولية التركيز على الجانب الديني وربطه بالعطاء االجتماعي. 9 .9يرتبط بذلك ضعف البعد االستراتيجي في هذه الجمعيات التي تؤثر العمل المباشر من خالل المساعدات الفورية للحاالت المحتاجة ،أما فيما يتعلق بأية أنشطة جديدة ترتبط بالمشروعات الصغيرة للفقراء والمحتاجين بما يمكنهم من توفير فرص عمل جديدة ودائمة لهم فإنها لم تنجح في هذا السياق ،بل يمكن القول إنها لم تحقق ً شيئا على اإلطالق. 1010مازالت الرؤى الخيرية المرتبطة بهذه الجمعيات تعتمد على تقديم المساعدات لألفراد ،وال تقترب من النهج البروميثياسي Prometheusالقائم على مساعدة البشر من خالل تمكينهم وجعلهم قادرين على مساعدة أنفسهم .فالهدف من اإلحسان واألعمال الخيرية ال يكمن في تقديم المساعدة فقط ،بغض النظر عن نوعيتها ،بقدر ما يكمن في العمل على تغيير الظروف المصاحبة لهم من أجل تحسين أنماط حياتهم ،والعمل على تمكينهم ،وضمان وضعية أفضل لحاضرهم ومستقبلهم ،وهي رؤية مازالت بعيدة ج ًّدا عن واقع الجمعيات الخيرية ،بل وعن الواقع المصري العام. التوصيات ال تبتعد توصيات الدراسة الراهنة عما انتهت إليه من نتائج ،والتي يمكن إجمالها فيما يلي: 1 .1يجب عدم التوسع المفرط في إشهار أية جمعية تابعة لمسجد أو غيره ،واألفضل أن تقوم وزارة التضامن بعملية دمج للعديد من جمعيات المساجد ،وخاصة الصغير منها ،في إطار جمعية واحدة تشمل هذا الجمعيات جميعًا ،األمر الذي يجعل الجمعية تغطي مساحة جغرافية أكبر ،وتلبي احتياجات العديد من السكان .وهو أمر يساعد على االنتقال من التكافل الفردي المتناثر تنظيميًّا إلى التكافل المؤسسي المدرك الحتياجات السكان وكيفية تحسين أوضاعهم. 2 .2ضرورة التخلص من مركزية مجالس اإلدارات ،من خالل العمل على تشكيل مجلس إدارة أكبر وأكثر تنوعً ا ،ال يقتصر اهتمامه على مسجد بعينه ،أو مساحة محددة ،أو عدد معين من السكان فقط .ويمكن لوزارة التضامن أن تكون الوسيط بين كافة األعضاء بما يضمن انسجامًا في العمل وتنوعً ا في الرؤى وخروجً ا من المركزية األبوية والهيمنة الدينية. 3 .3العمل على اختيار الكوادر الجيدة من أهل المناطق التي تمثلها الجمعيات المدمجة ،وبشكل خاص المنتمين للطبقة الوسطى وأصحاب المؤهالت العليا واألثرياء والمتنفذين ،األمر الذي يساعد على تحسين العمل وتطوير الرؤى ووضع االستراتيجيات. 4 .4العمل من خالل عملية الدمج على اختيار مقار كبيرة ومناسبة للخدمات المقدمة إلى السكان .وسوف تساعد عملية الدمج على زيادة الميزانية وتحسين مستوى المقار وسهولة تقديم الخدمات بشكل مؤثر ومتنوع وغير متكرر. 5 .5ضرورة التواصل والعمل المستمر بين القائمين على الجمعيات المدمجة في ثوبها الجديد وبين متلقي العطاءات االجتماعية بما ً طرفا ها ّمًا في توجيه عمل الجمعيات وتحديد طبيعة الخدمات واألنشطة والمساعدات التي يريدون الحصول عليها. يجعلهم 6 .6العمل على االنتقال الحتمي من مرحلة تقديم العطاءات االجتماعية إلى مرحلة تمكين متلقي هذه العطاءات ،األمر الذي يساعدهم على تطوير واقعهم الفقير وتحسين ظروفهم المتردية .وفي هذا السياق البد من التوسع في تحفيز متلقي العطاءات على البدء في المشروعات الخاصة بهم ،ووضع دراسات الجدوى التي تحدد مدى نجاح أيٍّ من هذه المشروعات من عدمه ،حسب طبيعة كل جمعية وإمكانياتها واحتياجات سكان كل منطقة. المراجع 18 19 •إليسون ،مايكل وجود كاي ،2006 ،التخطيط االستراتيجي للمنظمات غير الربحية ،ترجمة :مروان الحموي ،الرياض ،مكتبة العبيكان. •الخرافي ،عبد المحسن عبد هللا الجار هللا ،2007 ،الباذل بصمت ..ناصر عبد المحسن السعيد .الكويت :دار النشر غير مبينة. •رمضان ،محمد عبد الغني ،أكتوبر ،2010التضامن االجتماعي ،السياسات والخدمات االجتماعية ،مجلس الوزراء المصري، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. •زينو ،رندة محمد ،2007 ،العمل التطوعي في السنة النبوية :دراسة موضوعية .رسالة ماجستير مقدمة للجامعية اإلسالمية في غزة :كلية أصول الدين. •سعيد ،عبد الوهاب إبراهيم ،2008 ،إشكالية توظيف الوقف اإلسالمي في التنمية االقتصادية للعشوائيات :دراسة تطبيقية على سكان المقابر بالقاهرة الكبرى .القاهرة :معهد الدراسات اإلسالمية. •شكر ،عبد الغفار ،2006 ،الجمعيات األهلية اإلسالمية في مصر .القاهرة :دار األمين للنشر والتوزيع. •الشبكة العربية للمنظمات األهلية ،تقرير ،2007 ،الشباب في منظومة المجتمع المدني .الشبكة العربية للمنظمات األهلية. •عبد العال ،أحمد عبد العال ،1997 ،التكافل االجتماعي في اإلسالم .القاهرة :الشركة العربية للنشر والتوزيع. •عبد هللا ،خالد عبد الفتاح ،2009 ،التحليل السوسيولوجي للعمل التطوعي في مصر :دراسة ميدانية .جامعة القاهرة .مركز البحوث والدراسات االجتماعية. •العمري ،عمر بن صالح ،2011 ،الملك عبد العزيز والعطاء االجتماعي ،دراسة تاريخية وثائقية .السعودية :األمانة العامة لالحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة. •العوير ،محيي الدين خير هللا ،2006 ،الجمعيات الخيرية اإلسالمية ودورها في التكافل االجتماعي .السعودية :دار النهضة للطباعة والنشر والتوزيع. •القرضاوي ،يوسف ،2008 ،أصول العطاء االجتماعي في اإلسالم :األصول والمقاصد الشرعية .القاهرة :دار الشروق. •قرقوتي ،حنان إبراهيم ،2006 ،رعاية اليتامى في بعض المؤسسات الرعائية في لبنان ،دراسة ميدانية .اإلمارات :دائرة األوقاف وشئون القصر في دبي. ) (على اإلنترنت. خطوات عملية للنهوض باألمة: العمل التطوعي،2010 ، صالح بن مطر،•الهطالي http://www.alhatali.com/Items/1/1.pdf . المجلس العربي للطفولة والتنمية. أساليب الدعوة لعمل الخير العربي المعاصر،2009 ، غادة علي،•موسى المراجع اإلنجليزية • • • • • • • • • • • Bekkers, René and Pamela Wiepking. (2007). Understanding Philanthropy: A Review of 50 Years of Theories and Research. (Online) http://ics.uda.ub.rug.nl/FILES/root/ Articles/2007/BekkersR Philantropy/BekkersR-Philantropy-2007.pdf Chew, Celien. 2009. Strategic Positioning in Voluntary and Charitable Organizations. UK: Routledge. Cropanzano, Russell and Mitchell, Marie S. (2005). Social Exchange Theory: An Interdisciplinary Review. Journal of Management. Vol. 31, No. 6, pp.874-900. Darlington, P. J. (1978). Altruism: Its Characteristics and Evolution. Proceeding of the National Academy of Sciences of the United States of America, Vol. 75, No. 1, pp. 385-389. Ibrahim, Barbara and Sherif, Dina. Eds. (2008). From Charity to Social Change: Trends in Arab Philanthropy. The American University in Cairo Press (online) www. aucegypt.edu/research/gerhart/Documents/Final%20Report.pdf Johnson, Paula D.; Stephen P. Johnson and Andrew Kingman. (2004). Promoting Philanthropy: Global Challenges and Approaches. Online: http://stage1. industrialmedia.ca/wings/download/02_Promoting_Philanthropy_Full_Version.pdf Karoff, H. Peter. (2004). Transformation through Philanthropy– Theory, Fact, and Fiction. The Philanthropic Initiative, Inc. Online: http://www.tpi.org/downloads/pdfs/ essay-trans_phil_thry_fct_fict.pdf Payton, L. R. (1988). Philanthropy: Voluntary Action for the Public Good. New York: Macmillan Publishing Company. Monroe, Kristen Renwick (1994). A Fat Lady in Corset: Altruism and Social Theory. American Journal of Political Science. Vo. 38, Issue 4, pp. 861-893. Rudich, Avishag. (2009). Not for Love of Man Alone –An Overview of Theoretical Approaches to Philanthropy. Online: http://www.jewishfederations.org/local_ includes/downloads/34179.pdf Spiegel, Menahem (1995). Charity without Altruism. Economic Inquiry. Vol. XXXIII, pp. 625-639. المالحظات الختامية 1 .1شملت هذه الجمعيات :جمعية الخدمات االجتماعية والدينية ،وجمعية روضة أهل السندس ،وجمعية مسجد بالل بن رباح ،والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية ،وجمعية ومستوصف مسجد الصفا والمروة ،والجمعية الخيرية الملحقة بمسجد الشيخ علي ،وجمعية مسجد الرحمة ،وجمعية مسجد أبوبكر الصديق ،وجمعية العزيز باهلل ،ولجنة زكاة مسجد محمد كامل ،ولجنة زكاة مسجد التوحيد ،ولجنة زكاة جامع الشوربجي الكبير ،وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي ،وجمعية رؤية العين الخيرية للنشاط الثقافي واالجتماعي وتشغيل الشباب ،وجمعية هداية الرحمن. 20 21