...

ةيبعشلا قطانملا يف ءارقفلا معد يف م َّظنملا ريغ لفاكتلا... روركدلا قلاوب ةقطنمل ةلاح ةسارد ميظعلا دبع ناميلس حلاص

by user

on
Category: Documents
19

views

Report

Comments

Transcript

ةيبعشلا قطانملا يف ءارقفلا معد يف م َّظنملا ريغ لفاكتلا... روركدلا قلاوب ةقطنمل ةلاح ةسارد ميظعلا دبع ناميلس حلاص
‫َّ‬
‫المنظم في دعم الفقراء في المناطق الشعبية‬
‫دور التكافل غير‬
‫دراسة حالة لمنطقة بوالق الدكرور‬
‫صالح سليمان عبد العظيم‬
‫أستاذ علم االجتماع المساعد بكلية اآلداب؛ قسم االجتماع؛‬
‫جامعة عين شمس‬
‫َّ‬
‫الملخص البحثي‬
‫تسعى هذه الدراسة إلى التعرف على وضعية الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور‪ ،‬من خالل دراسة خمس عشرة جمعية‪،‬‬
‫وذلك عبر دراسات حالة متعمقة للقائمين على عمل هذه الجمعيات والمسئولين عنها‪ .‬وفي ضوء ذلك‪ ،‬تحاول الدراسة التعرف على‬
‫السمات العامة المشتركة فيما بينها‪ ،‬ومستوى الجانب التأسيسي الخاص بها‪ ،‬ودرجة تطوره وإفادته للسياق المجتمعي المحيط بها‪،‬‬
‫وطبيعة استراتيجيات العمل وتصورات تطويرها إن وُجدت‪ .‬وتعتمد الدراسة نظريًّا على نموذج التوحد ‪Identification Model‬‬
‫الذي يجمع بين مشاعر الفرد الغيرية وبين تحقيقه لمنفعته الذاتية‪ .‬وفي ضوء ذلك‪ ،‬توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج شملت ضعف‬
‫تمويل هذه الجمعيات‪ ،‬وقلة مشاركة األفراد في العمل التطوعي‪ ،‬وانتشار أبوية العمل ومركزيته في هذا النوع من مؤسسات العطاء‬
‫االجتماعي‪ ،‬إضافة إلى شيوع العالقات الشخصية وغياب العمل المؤسسي المتطور‪ ،‬كما شملت هذه النتائج ضعف البنى التحتية‬
‫الخاصة بهذه الجمعيات وغياب الرؤى االستراتيجية التي تساعد على تمكين المتلقين للعطاء االجتماعي‪.‬‬
‫إشكالية الدراسة والمنطلقات النظرية لها‬
‫ً‬
‫قليلة بدرجة كبيرة في العالم العربي بشكل عام‪ ،‬وفي مصر بشكل خاص (مثال‬
‫مازالت الدراسات التي تتناول العطاء االجتماعي‬
‫لهذه النوعية من الدراسات‪ ،‬انظر‪ :‬رمضان ‪2010‬؛ شكر ‪2006‬؛ العوير ‪2006‬؛ موسى ‪ .)2009‬ورغم ِقدَم العطاء االجتماعي‬
‫في العالم العربي فإن المالحظ أن الحديث عنه ومحاولة التنظير له وتناوله بشكل علمي يرتبط بالتخصصات المختلفة مازال أبعد‬
‫ً‬
‫ً‬
‫مثاال‬
‫فضال عن قلة الدراسات التي تستند إلى الواقع الفعلي والبحوث الميدانية الحقيقية (انظر‬
‫ما يكون عن المأمول والمنتظر منه‪.‬‬
‫لهذه النوعية من الدراسات الميدانية‪ :‬قرقوتي ‪2006‬؛ عبد هللا ‪.)2009‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا بالتوجهات‬
‫وتعود أسباب ذلك إلى العديد من األمور؛ منها عدم رغبة األفراد في الحديث عما يقومون به من أعمال خيرية‬
‫ً‬
‫خاصا بين العبد وربه‪ .‬كما يعود ً‬
‫أيضا إلى عدم رغبة القائمين على هذه‬
‫عمال‬
‫الدينية التي تدعو إلخفاء الصدقات والزكاة لكونها‬
‫ًّ‬
‫الجمعيات في الحديث مع الباحثين وتقديم المعلومات والتسهيالت المختلفة التي ترتبط بالجمعيات والمؤسسات الخيرية التي يضطلعون‬
‫بها‪ .‬ومن المالحظ وجود نقص كبير في الدراسات التي تناولت موضوع الجمعيات الخيرية في العالم العربي رغم وجود بعض‬
‫المقاالت والدراسات األيديولوجية المنطلقة من توجه ديني متحيز يثمِّن العطاء االجتماعي‪ ،‬ويركز في األساس على الشخصيات القائمة‬
‫بهذا العطاء والتبرعات المختلفة المق َّدمة منهم‪ ،‬بينما ال تركز هذه المقاالت والدراسات كثيرً ا على النواحي التنظيمية والمؤسساتية‬
‫ً‬
‫إضافة إلى عدم التركيز على الجوانب السلبية والعقبات المختلفة التي تواجه العطاء االجتماعي في العالم‬
‫والقدرات المرتبطة بها‪،‬‬
‫العربي بعامة ومصر بخاصة (حول أمثلة لهذا النوع من الكتابات‪ ،‬انظر‪ :‬الخرافي ‪ ،2007‬والعمري ‪2011‬؛ وكمثال للدراسات التي‬
‫تنطلق من منظور إسالمي بحت‪ ،‬انظر‪ :‬القرضاوي ‪2008‬؛ زينو ‪2007‬؛ عبد العال ‪.)1997‬‬
‫وتبرز الحاجة لمثل هذه الدراسات الخاصة بالجمعيات الخيرية في ضوء اتساع نسب الفقر في مصر لمستويات غير مسبوقة اآلن‪،‬‬
‫ً‬
‫خصوصا في العقود الثالثة الماضية‪.‬‬
‫إضافة إلى تراجع أدوار الدولة المرتبطة بمساعدة الفقراء والتخفيف من حدة الفقر الذي يواجهونه‪،‬‬
‫ً‬
‫وفي ضوء هذا التراجع الحاد في األدوار الرسمية الخاصة بمساعدة الفقراء يصبح الدور الشعبي المتمثل في األفراد والجمعيات‬
‫الخيرية هو البديل الرئيس لغياب دور الدولة وضمان ظروف حياتية أكثر إنسانية لشرائح واسعة من الشعب المصري من الفقراء‪،‬‬
‫ومن المرشحين للدخول في عالم الفقر والع َوز والحاجة (انظر‪2008 Ibrahim and Sherif :‬؛ رمضان ‪2010‬؛ الهطالي ‪.)2010‬‬
‫خصوصا العديد من اإلشكاليات التي تتعلق بالمفاهيم‬
‫وتثير المسائل الخاصة بدراسة العطاء االجتماعي عمومًا والجمعيات الخيرية‬
‫ً‬
‫واألطر النظرية وكيفية التناول المنهجي (انظر‪2007 Bekkers and Wiepking :‬؛ ‪2004 Karoff‬؛ ‪.)2009 Rudich‬‬
‫ويرجع ذلك إلى أن العطاء االجتماعي يشمل الفرد واألسرة والجماعات والمجتمعات المحلية إلى أن يصل لمستويات تشمل الدولة‬
‫كأهم الوحدات الفاعلة في التركيبة الكونية اإلنسانية الحديثة‪ .‬فالفرد يمثل أهم لبنة في المجتمعات البشرية المختلفة‪ ،‬ومن ثم يمثل‬
‫الفاعل األول والرئيسي في العطاء االجتماعي والممارسات المرتبطة به؛ وبدون تلك الممارسات الفردية يصعب الحديث عن العطاء‬
‫االجتماعي وما يرتبط به من أشكال العطاء اإلنساني المختلفة‪.‬‬
‫وال يختلف المجتمع المصري عن غيره من المجتمعات في تأثير العامل الفردي على العطاء االجتماعي والممارسات الخيرية المختلفة؛‬
‫ففي كل المجتمعات البشرية يلعب هذا العامل دورً ا كبيرً ا في هذه الممارسات‪ ،‬لكن األمر الالفت للنظر يتمثل في أن هناك العديد من‬
‫المجتمعات التي استطاعت أن ِّ‬
‫تؤطر األعمال الخيرية ضمن مؤسسات وجمعيات تساهم في تحديد مسارات العطاء االجتماعي وتعظيم‬
‫الفوائد المرجوة منه‪ .‬ويلعب تأطير العطاء االجتماعي ضمن مستوياته المؤسسية دورً ا كبيرً ا في توجيهه الوجهة المجتمعية المرجوة‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫في إطار االحتياجات المطلوبة والضوابط المحددة م ً‬
‫ُسبقا من ِقبل هذه المؤسسات والقائمين عليها‪ .‬كما أن هذه المؤسسات تكتسب من‬
‫خالل الممارسات الخيرية المتواصلة خبرات جديدة وتنتج كوادر على قدر كبير من اإللمام باحتياجات المجتمعات المحلية التي يتعاملون‬
‫معها‪ ،‬ومن ثم احتياجات األفراد فيها (انظر‪ :‬موسى ‪2009‬؛ الهطالي ‪.)2010‬‬
‫َّ‬
‫المنظم‪ ،‬والذي نعني به وجود جمعيات كثيرة في منطقة الدراسة‪ ،‬وبالتأكيد في غيرها‬
‫ويرتبط ذلك بعنوان الدراسة الخاص بالتكافل غير‬
‫المأسسة ‪ Institutionalized‬الالزمة للعمل الخيري ونجاحه في أداء‬
‫قدر ما من‬
‫َ‬
‫من المناطق العشوائية والفقيرة األخرى‪ ،‬بدون تحقيق ٍ‬
‫المهمات المطلوبة منه‪ ،‬والتي ال تقف عند المساعدة فقط‪ ،‬بل تتجاوز ذلك لتغيير األفراد أنفسهم ومساعدتهم على تطوير واقعهم المعيش‬
‫اقتصاديًّا واجتماعيًّا وربما سياسيًّا‪ .‬كما يرتبط ذلك ً‬
‫أيضا بعدم وجود تنظيم فعلي وحقيقي وفاعل بين هذه الجمعيات والمؤسسات المختلفة‬
‫ُّ‬
‫يصب في النهاية لصالح المجتمع المحلي وتمكين الفقراء الموجودين به (حول مفهوم التكافل االجتماعي في اإلسالم‪ ،‬انظر‪ :‬عبد العال‬
‫بما‬
‫ً‬
‫‪1997‬؛ وحول دور العطاء االجتماعي ممثال في الوقف في تطوير المناطق العشوائية انظر‪ :‬سعيد ‪.)2008‬‬
‫وال يقف األمر فقط عند وجود مؤسسات من عدمه‪ ،‬لكن األمر يتع َّدى ذلك إلى مستوى هذه المؤسسات والخبرات المرتبطة بها والتي تتفاوت‬
‫من مجتمع آلخر ومن بنية ألخرى‪ .‬فمن الواضح وجود فروق كمية وكيفية في قدرات العمل المؤسسي الخيري بين المجتمعات الغربية‬
‫ومثيلتها في المجتمعات العربية؛ ُ‬
‫فاألولى طورت أسسً ا تنظيمية هامة استطاعت من خاللها تكريس العطاء االجتماعي بشكله المؤسسي‬
‫وربطه في الوقت نفسه بالممارسات الفردية وأنواع العطاء المرتبط بها‪ ،‬بينما مازالت الثانية تعمل ضمن ارتباطاتها الفردية والمحيط‬
‫ً‬
‫الحقا‪ ،‬وهو أمر أفقدها قدراتها االستقاللية التنظيمية التي تتيح لها العمل المؤسسي وفق قواعد‬
‫القريب المرتبط بها كما سوف نوضح‬
‫معينة ومحددة‪ ،‬كما أنه َّ‬
‫أخر من إمكانية تأسيس كوادر مدرَّ بة ومُلمَّة بالعطاء االجتماعي ِوفق قواعد والتزامات مجتمعية وتنظيمية فاعلة‪.‬‬
‫وفي ضوء ما سبق‪ ،‬تحاول الدراسة الراهنة التعرف على وضعية الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور؛ التي تُعتبر واحد ًة من‬
‫ً‬
‫مؤسسة قد ترتبط بمسجد أو قد تكون مستقلة عنه‪ ،‬تقوم بتقديم الخدمات‬
‫أكثر المناطق شعبية وتكدسً ا في مصر‪ .‬ونعني بالجمعية الخيرية‬
‫الخيرية للمحتاجين من يتامى وفقراء ومعوزين‪ ،‬كما تقدم بعض الخدمات األخرى مثل دفن الموتى ودور الحضانة والتسفير للحج والعمرة‬
‫وتوفير بعض فرص العمل‪ ،‬وتكتسب عملها الرسمي من خالل إشهارها ً‬
‫وفقا للقوانين المعمول بها في وزارة التضامن االجتماعي‪ .‬وتنبع‬
‫ً‬
‫إضافة إلى كثرة الجمعيات الخيرية‬
‫أهمية منطقة بوالق الدكرور من تنوع الشرائح االجتماعية بها من فقراء وطبقات وسطى وأغنياء‪،‬‬
‫بها‪ ،‬والتي ترتبط باألساس بالمساجد التي تعتبر مسرحً ا ها ّمًا إلنشاء واستقطاب العطاء االجتماعي فيها‪ .‬وتسعى الدراسة الراهنة إلى تناول‬
‫مجموعة من الجمعيات الخيرية في منطقة بوالق الدكرور‪ ،‬وهي متنوعة إلى ح ٍّد ما من ناحية النشأة وحجم النشاط والتوجهات الخاصة بها‬
‫ً‬
‫الحقا‪ .‬وسوف نحاول من خالل تحليلنا لهذه الجمعيات التعرف على السمات العامة المشتركة فيما بينها‪ ،‬ومستوى الجانب‬
‫كما سوف نبيِّن‬
‫التأسيسي الخاص بها‪ ،‬ودرجة تطوره وإفادته للسياق المجتمعي المحيط بها‪ ،‬وطبيعة استراتيجيات العمل وتصورات تطويرها إن وُجدت‪.‬‬
‫ويستدعي فهم السلوكيات المرتبطة بالعطاء االجتماعي االنطالق من مجموعة من األسس النظرية المختلفة والجمع فيما بينها‪ ،‬رغم أنها‬
‫ً‬
‫أوال بالمدخل الغيري ‪Altruistic Approach‬؛ الذي يرى في العطاء‬
‫تأتي من مداخل نظرية مختلفة‪ .‬وترتبط هذه التوجهات النظرية‬
‫ً‬
‫سلوكا فرديًّا موجهًا باألساس نحو مساعدة اآلخرين وتخفيف أعبائهم‪ ،‬بما يحرِّ ر الفرد المعطي من توجهاته األنانية المنغلقة على‬
‫االجتماعي‬
‫نفسه‪ .‬ويرى هذا المدخل أن النزعة الخيرية غريزية لدى الفرد‪ ،‬األمر الذي يدفعه ال محالة إلى مساعدة اآلخرين والوقوف بجانبهم وتخفيف‬
‫آالمهم؛ فالعطاء يمثل حاجة للفرد البد من إشباعها من خالل التواصل مع المحيطين به ومساعدتهم‪ .‬ويستند التوجه الفلسفي لهذا المدخل‬
‫إلى قاعدة أساسية ترى أن القيام بالعطاء االجتماعي عمل إنساني ال ينتظر أية إعالن أو مثوبة أو تقدير‪ .‬وتبرز أكثر أنواع هذا العطاء من‬
‫خفي ومستتر ال نعلم عنه أي شيء‪ ،‬وهي حالة شائعة الحدوث في المجتمعات اإلنسانية‬
‫خالل ما يقدمه األفراد من مساعدات لآلخرين بشكل ّ‬
‫بعامة‪ ،‬والمجتمعات اإلسالمية والعربية بخاصة‪ .‬والنقطة الهامة في هذا المدخل‪ ،‬والتي تميزه عن غيره من المداخل األخرى‪ ،‬أنه ال يركز‬
‫على المصلحة الفردية للقائمين بفعل العطاء ق ْد َر تركيزه على تحقيق مصالح المتلقين لهذا العطاء‪ .‬وعلى الرغم من تأسيس المدخل الغيري‬
‫على النزعات الفردية القائمة على إشباع الرغبة في مساعدة اآلخرين فإنه يؤكد ً‬
‫أيضا على أن العطاء االجتماعي يمثل قيمة اجتماعية‬
‫ً‬
‫سلوكا فرديًّا باألساس‪ ،‬لكنه يتسع ليصبح قيمة اجتماعية يحبذها‬
‫‪Social Value‬؛ فالتبرع بالدم‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬يمثل في الجوهر منه‬
‫ً‬
‫المجتمع ويدعو إليها ويقدر فاعليها (انظر‪ ،19-17 :2009 Rudich :‬وانظر أيضا‪1978 Darlington :‬؛ ‪1995 Spiegel‬؛ وحول‬
‫مراجعة لألدبيات المتعلقة بالغيرية في علم االقتصاد واالقتصاد السياسي‪ ،‬وعلم األحياء التطوري‪ ،‬وعلم النفس انظر‪.)1994 Monroe :‬‬
‫وترى نظرية التبادل االجتماعي ‪ Social Exchange Theory‬أن اإلنسان كائن عقالني يتصرف ً‬
‫وفقا لما يحققه من مصالح في‬
‫ضوء تعظيم االستفادة القصوى من المصادر المتاحة له‪ .‬وهذا يعني أن العطاء االجتماعي ال يتم في ضوء الرغبة في التخفيف عن‬
‫أعباء اآلخرين المعوزين والمحتاجين فقط‪ ،‬بقدر ما يتم ً‬
‫أيضا في ضوء تحقيق مصالح مقدمي العطاء االجتماعي‪ .‬فإذا كان المدخل‬
‫الغيري يرى العطاء االجتماعي مسألة غريزية لدى الفرد تتحقق بهدف إسعاد اآلخرين فإن نظرية التبادل االجتماعي ‪ -‬في ضوء تأكيدها‬
‫على المنافع المتحققة من العالقات التبادلية بين األفراد ‪ -‬ترى أن فعل العطاء االجتماعي يحقق منافع متبادلة بين ٍّ‬
‫كل من المتبرعين‬
‫والمتلقين عبر عملية العطاء االجتماعي والجوانب المختلفة المرتبطة بها‪ .‬فاألثرياء على سبيل المثال يقومون بالعطاء االجتماعي‬
‫ً‬
‫رغبة في إعالء مكانتهم االجتماعية والحصول على المزيد من التقدير المجتمعي لما يق ِّدمونه من عطاءات مختلفة‪ .‬وفي ضوء هذه‬
‫النظرية‪ ،‬فإننا ننتقل من مجهولية فعل العطاء االجتماعي الفردي إلى عالنية هذا الفعل واالعتداد به مجتمعيًّا‪ .‬والالفت للنظر هنا أنه‬
‫على الرغم من أهمية العامل الفردي في العطاء االجتماعي فإن الدراسات أثبتت أن حجم العطاء االجتماعي يزداد كلما تم إبرازه‬
‫واإلعالن عنه مقارنة بإخفائه وعدم اإلعالن عنه (انظر‪ .)21:2009 Rudich :‬وترى نظرية التبادل االجتماعي أهمية وجود ثقافة‬
‫عامة تؤكد على العطاء االجتماعي والعمل الخيري بما يشيع من الممارسات الخيرية المختلفة‪ ،‬ويساعد على انتقالها من اآلباء إلى‬
‫األبناء‪ ،‬ومن جيل آلخر (حول مراجعة لنظرية التبادل االجتماعي‪ ،‬انظر‪.)2005 Cropanzano and Mitchell :‬‬
‫ويحاول نموذج التوحد ‪ Identification Model‬تجاوز جوانب الضعف في كال االتجاهين السابقين من خالل الجمع بين مشاعر الفرد الغيرية‬
‫وبين تحقيقه لمنفعته الذاتية؛ ً‬
‫فوفقا لهذا المدخل فإنه يوجد توحُّ د بين أفعال الفرد الخيرية وبين تحقيقه لمصالحه الخاصة؛ فتحقيق األولى يمثل عقلنة‬
‫لحياته وتعظيمًا لمنافعه الشخصية‪ .‬ويرى هذا المدخل في العالقات بين المتبرع والمتلقي امتدا ًدا لعالقاتنا اليومية مع أسرنا وأصدقائنا‪ ،‬كما أنها تشكل‬
‫ً‬
‫ووفقا لهذا النموذج يوجد محددان رئيسان‬
‫في النهاية دعمًا لتوجهاتنا الدينية القائمة على حب هللا واالرتباط به (انظر‪.)22 pp ,2009 Rudich :‬‬
‫من التوحد بين المتبرع والمتلقي‪« ،‬أولهما يتعلق بالسمات الشخصية التي تشجع وتدعم السلوك الخيري‪ ،‬وثانيهما يتعلق بالمشاركة المجتمعية من‬
‫جانب المتطوعين» (‪ .)23 :2009 Rudich‬فنحن هنا أمام نموذج يجمع بين سمات األفراد وبين السياقات المجتمعية التي يعيشون فيها‪ ،‬والتي‬
‫قد تدعم ثقافة العطاء االجتماعي أو ال تدعمه‪ .‬من هنا فإننا‪ً ،‬‬
‫وفقا لهذا النموذج‪ ،‬ال يمكن أن نتجاهل أهمية النوازع الفردية الخيرة‪ ،‬كما ال يمكننا‬
‫التعامل مع هذه النوازع نظريًّا وميدانيًّا بدون ربطها بطبيعة المجتمع الحاكم والمحدد لها‪.‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫فروضا بحثية تساعد على فهم واقع الممارسات‬
‫ووفقا لما سبق‪ ،‬تنطلق الدراسة الراهنة من مجموعة من األسس النظرية تمثل بالنسبة لنا‬
‫الخيرية للجمعيات المدروسة‪:‬‬
‫‪1 .1‬ينطلق العمل الخيري من بواعث فردية ذاتية في األساس‪ ،‬تتحدد بالتركيبة الشخصية لكل فرد‪ ،‬وبمستوى المشاعر اإلنسانية‬
‫الخاصة به‪ ،‬والتي تتفاوت من فرد آلخر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2 .2‬رغم هيمنة البواعث الفردية على الممارسات الخيرية فإنها ترتبط أيضا بالسياق المجتمعي العام الذي يوجد فيه األفراد؛‬
‫ُّ‬
‫وتجذر ثقافة العطاء االجتماعي ً‬
‫وفقا للممارسات الفردية والجمعية التي تحض‬
‫فالمجتمعات تتفاوت فيما بينها في مدى قوة‬
‫على أهمية هذا العطاء ودوره في تخفيف أوضاع المحتاجين وتحسين أوضاعهم المعيشة‪ ،‬وهو أمر يساعد على نقل ممارسات‬
‫العطاء االجتماعي من مستوياتها الفردية التلقائية إلى مستوياتها المؤسساتية المنظمة‪.‬‬
‫‪3 .3‬يتطور العطاء االجتماعي المؤسسي في ضوء حركية القيادات المسؤولة عنه‪ ،‬وغياب هيمنة القيم األبوية والعائلية التي تكبل من‬
‫حركيته وتقوِّض تطوره وانفتاحه على رؤى وأفكار وقيم جديدة‪.‬‬
‫‪4 .4‬رغم أهمية العامل الديني في دعم قيم العطاء االجتماعي فإنه قد يُضعف من ثقافة الممارسات المدنية ككل‪ ،‬ويحصر العطاء‬
‫االجتماعي في الممارسات القائمة على مساعدة الفقراء والمحتاجين بدون أن يؤدي إلى تمكينهم وتطوير الظروف المختلفة‬
‫المحيطة بهم وبذويهم‪.‬‬
‫تساؤالت البحث‬
‫في ضوء ما سبق‪ ،‬تتحدد تساؤالت البحث الراهن على النحو التالي‪:‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪1‬ما هي أهم أشكال العطاء االجتماعي التي تتلقاها المؤسسات الخيرية في بوالق الدكرور؟ وما هي أشكال التغيرات التي لحقت بها؟‬
‫‪2‬ما هي أهم الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات‪ ،‬ومدى صالحيتها وكفايتها لسكان منطقة بوالق الدكرور؟‬
‫‪3‬ما هي أهم بواعث العطاء االجتماعي الموجهة لعمل المؤسسات الخيرية؟‬
‫‪4‬ما هي أهم العوامل التي تؤثر على العطاء االجتماعي سلبًا وإيجابًا؟‬
‫‪5‬ما هي سبل تطوير عمل هذه المؤسسات في ضوء استراتيجيات العمل المطروحة؟‬
‫منهجية التحليل‬
‫نحاول من خالل الدراسة االستطالعية الراهنة التعرف على أوضاع خمس عشرة جمعية خيرية في منطقة بوالق الدكرور(‪ .)1‬وقد‬
‫مثَّلت هذه المجموعة من الجمعيات الخيرية عينة عمدية تمت في ضوء قبول المسؤولين عنها والعاملين بها إجراء مقابالت معهم؛ حيث‬
‫إن هناك العديد من المسؤولين عن جمعيات أخرى لم نوفق في مقابلتهم إما لتعارضات خاصة بالوقت وإما لرفضهم الحديث معنا عن‬
‫ً‬
‫معلال ذلك بأن الجمعية‬
‫أنشطة الجمعيات والخدمات التي يقدمونها‪ .‬كما أن البعض اآلخر أكد على أنه ليس هناك ما يمكن تقديمه لنا‬
‫تقوم بعمل الخير لوجه هللا دون الرغبة في الحديث عنه‪ -‬على حد تعبيرهم‪ .‬ورغم ذلك فقد كانت هذه العينة العمدية كافية إلى ح ٍّد كبير‬
‫من أجل التعرف على الخدمات المختلفة التي تقدمها هذه الجمعيات ومدى نجاحها في مهامها‪ ،‬والجوانب السلبية واإليجابية المرتبطة‬
‫بها‪ ،‬إضافة إلى التعرف على استراتيجيات العمل‪ ،‬ومدى وعي المسؤولين بها‪.‬‬
‫وتمت المقابلة مع المسؤولين عن هذه الجمعيات أو أحد القائمين عليها أو بعض العاملين بها‪ ،‬وذلك عبر استخدام أداة مقابلة اشتملت على‬
‫رؤوس الموضوعات التالية‪:‬‬
‫‪1 .1‬التعرف على ظروف وأسباب نشأة الجمعية‪.‬‬
‫‪2 .2‬وصف الجمعية وطبيعة المكان الذي توجد فيه‪.‬‬
‫‪3 .3‬طبيعة الخدمات المق َّدمة من الجمعية والوظائف التي تقوم بها‪.‬‬
‫‪4 .4‬نوعية التبرعات التي تتلقاها الجمعية‪ ،‬ونوعية المتبرعين‪ ،‬والشرائح االجتماعية التي ينتمون لها‪.‬‬
‫‪5 .5‬دور العامل الديني في الممارسات الخيرية‪.‬‬
‫‪6 .6‬الرؤية االستراتيجية لعمل الجمعيات الخيرية وكيفية تفعيلها وتطويرها‪.‬‬
‫الجانب التحليلي لجمعيات العطاء االجتماعي‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الطابع العائلي والديني المرتبط بنشأة الجمعيات‬
‫من المالحظ أن نشأة معظم هذه الجمعيات في منطقة بوالق الدكرور يرتبط في األغلب األعم بالنشأة العائلية باألساس‪ .‬وكلمة «عائلية»‬
‫ً‬
‫ارتباطا أوليًّا‬
‫ال تعني قيام مجموعة من األفراد ينتمون لعائلة واحدة بإنشاء جمعية خيرية وتحديد المهام الخاصة بها‪ ،‬لكنها تعني‬
‫ملحقة بالمسجد بشكل مباشر وقد تحمل‬
‫بإنشاء مسجد يقوم أحد األفراد ببنائه؛ غالبًا الوالد أو الجد‪ ،‬ويعقب ذلك تأسيس جمعية خيرية َ‬
‫اسمه‪ ،‬أو منفصلة عنه نسبيًّا لكنها تظل بدرجة أو بأخرى مرتبطة به ولو على مستوى اإلعالن وإدراك الناس لها‪ .‬ففي اثنتي عشرة‬
‫جمعية من عينة الدراسة ‪ -‬فيما عدا جمعية رؤية العين التي أسسها رجل أعمال‪ ،‬وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي؛ التي‬
‫كانت في األصل مرتبطة بجامع الشوربجي الكبير قبل أن تنفصل عنه بسبب إشراف وزارة األوقاف عليه وتأسيس لجنة زكاة خاصة‬
‫به‪ ،‬وأخيرً ا جمعية دار هداية الرحمن ‪ -‬تم تأسيس جمعيات ملحقة بالمسجد بشكل مباشر ومرتبطة به‪ ،‬إلى الحد الذي تحمل فيه هذه‬
‫الجمعيات اسم المسجد التابعة له‪ ،‬بغض النظر عن االسم الرسمي المشهرة به الذي حصلت عليه من وزارة الشئون االجتماعية‪ .‬قد‬
‫تمثل هذه الجمعية شقة في الدور الثاني من المسجد‪ ،‬أو قد تمثل حجرة اجتماعات لمجلس إدارة الجمعية؛ حيث تتوقف الطبيعة المكانية‬
‫للجمعية على حجم المسجد ذاته وطبيعة بنائه‪.‬‬
‫ًإذا فالقاعدة هي إنشاء المسجد ً‬
‫أوال كرمز ديني لدى المصريين في كافة المناطق‪ ،‬شعبية أو راقية‪ ،‬فقيرة أو غنية‪ ،‬ثم يلي ذلك التفكير في‬
‫إنشاء جمعية خيرية مُشهرة‪ ،‬ملحقة ومرتبطة به‪ .‬وفي مصر نماذج مشهورة ج ًّدا لجمعيات خيرية ارتبطت بمساجد كبيرة تقدم خدمات‬
‫للمواطنين مثل جمعية مسجد مصطفى محمود في المهندسين وجمعية مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر‪ .‬وما نقصده بالطابع العائلي لهذه‬
‫الجمعيات يتعلق بأن الفرد الذي يقوم بتأسيس المسجد هو الذي يُنشئ الجمعية ويحصل على ترخيص لها‪ ،‬ومن ثم يتابعها أوالده وأحفاده‬
‫فيما بعد‪ .‬صحيح أن طبيعة المتابعة تتغير بمرور الزمن‪ ،‬ويتم تحديثها من خالل إنشاء مجالس إدارة لها‪ ،‬لكن المالحظ وجود أقارب من‬
‫الدرجة األولى من عائلة الشخص المؤسِّ س للجمعية بجانب دخول أفراد آخرين من المقيمين في الحي‪ .‬ورغم الدور الهام الذي يقوم به‬
‫المؤسِّ سون في عمل ومتابعة الجمعية فإن استمراريتهم في العمل لفترات طويلة يضفي عليها قدرً ا كبيرً ا من الجمود وعدم التغيير والتطور‬
‫المنشودين‪ ،‬وهي آفة عامة ترتبط بكافة المؤسسات الرسمية سوا ًء كانت حكومية أو مدنية‪.‬‬
‫ومما يساعد على هذا االنتشار الكبير للجمعيات الملحقة بالمساجد أنها ال تكلف ً‬
‫شيئا سوى الحصول على موافقة الجهات الرسمية ووجود عدد‬
‫مناسب من األعضاء على األقل في مرحلة اإلشهار‪ ،‬والبدء في جمع التبرعات التي تأتي في البداية من المسجد والصناديق الملحقة به‪ ،‬وبشكل‬
‫خاص عقب صلوات الجُ َمعات المختلفة‪ .‬ورغم تصور البعض للمسجد بوصفه مصدرً ا ماديًّا للجمعيات الخيرية الملحقة به فإن ما يحدث هو‬
‫أن المسجد يتحول بمرور الوقت ليصبح ً‬
‫عبئا على الجمعية الخيرية والميزانية الخاصة بها‪ .‬فقد أجمع القائمون على الجمعيات المدروسة أن‬
‫صندوق المسجد غير مضمون ثبات عوائده؛ فالمسألة رهن بتبرعات األفراد من خالل شرائح اجتماعية تنتمي في الغالب األعم للطبقات الفقيرة‬
‫ومتوسطة الحال؛ وهذه الشرائح رغم اهتمامها بالعطاء االجتماعي المرتبط بالمسجد فإن ظروفها وأوضاعها االجتماعية تحول دون ثباتها على‬
‫التبرع الدائم والمستمر والمتصاعد‪ ،‬فما يتم الحصول عليه في يوم ال يتم الحصول عليه في يوم آخر عبر صندوق التبرعات الخاص به‪ .‬ورغم‬
‫أهمية هذه التبرعات بالنسبة للمسجد ومن ثم الجمعية فإنها غير مضمونة وغير ثابتة العائد‪ ،‬كما أنها تتراجع بشكل الفت للنظر في ضوء التدهور‬
‫االقتصادي الذي تواجهه الشرائح االجتماعية المتوسطة والفقيرة ً‬
‫وفقا لما قاله العديد من المسؤولين عن هذه الجمعيات‪ ،‬وهو ما يزيد العطاء‬
‫ً‬
‫صعوبة ويقلِّص من أنشطة هذه الجمعيات والخدمات المق َّدمة منها للفقراء والمحتاجين‪.‬‬
‫االجتماعي‬
‫وال يقف األمر عند ضعف العائد من صناديق المسجد فقط‪ ،‬لكنه يرتبط بتحول المسجد ليصبح ً‬
‫عبئا على ميزانية الجمعية التي تقوم‬
‫بالصرف عليه والتكفل بالطلبات الخاصة به؛ فالمسجد يرتبط بتكاليف كثيرة مثل العمالة والصيانة الشهرية والدورية التي تشمل أعمال‬
‫الدهانات وتجديد دورات المياه وتغيير السجاد وتصليح الميكروفونات وغيرها من اللوازم المختلفة والعديدة المرتبطة به‪ .‬ورغم ذلك فإن‬
‫َّ‬
‫الحضانة التي من خاللها تنبثق فكرة إنشاء جمعية خيرية‪ ،‬كما أنه يمنح الجمعية شرعية الوجود الشعبي المرتبطة بالمجتمع‬
‫المسجد يمثل‬
‫المحلي‪ ،‬ويساعد بدرجة أو بأخرى على جمع التبرعات الخاصة بها‪ .‬فالتبرعات ال ترتبط بالصناديق المتوفرة في المسجد فقط‪ ،‬لكنها‬
‫ترتبط بالعالقات الشخصية المباشرة‪ ،‬والتي يلعب المسجد فيها دورً ا كبيرً ا في تهيئة المناخ لها عبر الصالة وما يحدث فيها من تواصل‬
‫ً‬
‫سابقا من أن‬
‫يومي بين المصلِّين ومناقشة احتياجات المسجد من ناحية والجمعية الملحقة به من ناحية أخرى‪ .‬وهي مسألة تؤكد ما ذكرناه‬
‫المشاركة المجتمعية تدعم ثقافة العطاء ومن ثم توسِّ ع من دائرة ممارسات العطاء الفردي‪.‬‬
‫وفي أغلب األحيان‪ ،‬يرتبط التفكير في إنشاء جمعية خيرية باألساس بتقديم خدمات عاجلة للمجتمع المحلي المحيط بالمسجد‪ ،‬كما أن الرؤية‬
‫شخص ما معروف في الحي وله‬
‫المرتبطة بعملية اإلنشاء غالبًا ما تكون رؤية دينية أبوية تعكس في العمق منها تصورً ا فوقيًّا من جانب‬
‫ٍ‬
‫بقدر من الثراء يتيح له التبرع بقطعة األرض الالزمة لبناء المسجد أو القيام بجزء كبير من أعباء‬
‫حيثية لدى بقية األفراد‪ ،‬كما أنه يتمتع‬
‫ٍ‬
‫بنائه‪ ،‬كما يتيح له طرح مسألة إنشاء جمعية خيرية وتحديد الخدمات المختلفة المرتبطة بها‪ .‬وهو أمر يدعم مركزية عمل هذه الجمعيات‬
‫وال يتيح تنوع الرؤى وتغيرها من فترة ألخرى بما يفيد المجتمع المحلي‪ ،‬ويساعد على تمكين الفقراء‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تواضع المكان وقلة الكوادر العاملة‬
‫مقرا لها من خالل تخصيص حجرة ملحقة به أو عدة حجرات إذا ما كان المسجد كبيرً ا‪ ،‬وذلك من‬
‫تجد معظم هذه الجمعيات في المسجد ًّ‬
‫أجل القيام بأعمالها والمتطلبات الخاصة بها‪ .‬وبخالف الجمعيات الملحقة بالمساجد فإن الجمعيات األخرى تستقر في شقة متواضعة من أجل‬
‫القيام باألعمال المطلوبة منها‪ ،‬واستقبال الحاالت والتعامل معها‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال تتنوع األنشطة ما بين جمعية خيرية ومستوصف كامل للخدمات الطبية‬
‫ويتوقف األمر على حجم المسجد؛ ففي مسجد الصفا والمروة‬
‫وذلك بسبب كبر حجمه الذي يصل لثالثة أدوار على مساحة كبيرة‪ .‬واألمر يكون على غير ذلك في الكثير من المساجد األخرى التي‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ذلك تتفاوت مساحات‬
‫ترتبط بجمعيات خيرية‪ ،‬والتي تتسم بضيق المساحة وعدم كفايتها ألية أنشطة أخرى بخالف الصالة‪.‬‬
‫الجمعيات الخيرية المستقلة؛ فالبعض منها ‪ -‬مثل جمعية رؤية العين الخيرية وجمعية تنمية المجتمع المحلي في الشوربجي ‪ -‬يقع في دورين‬
‫كاملين في أحد البنايات‪ ،‬وهو ما يتيح لها تعد ًدا في األنشطة‪ ،‬وبشكل خاص وجود حضانة لألطفال في ٍّ‬
‫ً‬
‫إضافة لعمل دورات‬
‫كل منهما‪،‬‬
‫تدريبية ومعرض مالبس ونادي خاص بالنساء ومركز إعداد لألسر المنتجة‪ .‬وبالطبع فإن هذه األنشطة تتم ً‬
‫أيضا بجانب األنشطة التقليدية‬
‫المتعارف عليها في الجمعيات الخيرية‪.‬‬
‫ّ‬
‫بغض النظر عن طبيعة المكان ومدى‬
‫وال ترتبط هذه الجمعيات بأماكن مستقلة ومؤهلة بشكل كبير للعمل الخيري‪ ،‬فمعظمها يقوم بالعمل‬
‫مالءمته له‪ ،‬بل إن بعض هذه الجمعيات يمارس عمله من خالل ساحة المسجد نفسه‪ ،‬ويقوم بتقييم الحاالت وعمل الميزانية وجمع‬
‫التبرعات من خالل هذه الساحة التي تجمع بين الممارسات الدينية والممارسات الخيرية في الوقت نفسه‪ .‬وطالما أن الخدمات المرتبطة‬
‫بهذه الجمعيات تنحصر بشكل عام‪ ،‬إال فيما ندر‪ ،‬في إطار المساعدات المالية للفقراء والمحتاجين فسوف تظل هذه الجمعيات في غير حاجة‬
‫لمكان متسع وأفضل بعي ًدا عن المسجد يمكن من خالله أن تتنوع األنشطة وتتسع الخدمات‪.‬‬
‫والالفت للنظر هنا وعي بعض المسؤولين عن هذه الجمعيات بهذه الوضعية وتأكيدهم على أن العطاء االجتماعي ال يحتاج لمكان‬
‫واسع وفخم خاص به‪ ،‬بقدر ما يرتبط بجهود األفراد وتواضعهم من أجل خدمة الفقراء ومد يد العون لهم‪ .‬ولعل ذلك هو ما جعل‬
‫البعض ممن قابلناهم من المسؤولين عن هذه الجمعيات والمساهمين في العطاء االجتماعي بها يرون أنه ال يليق بأن تكون مباني‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫الجمعيات الخيرية فاخرة بدرجة كبيرة‪ ،‬األمر الذي يتعارض مع جهودها في العطاء االجتماعي ومساعدة الفقراء‪ .‬وقد ضرب‬
‫ً‬
‫مثال لنوعية هذه الجمعيات ببنك الطعام الذي انتقدوا مبانيه الفاخرة ج ًّدا وطبيعة العاملين به‪ ،‬ورأوا في ذلك ما يتعارض مع‬
‫البعض‬
‫الهدف النبيل المرتبط به والخاص بمواجهة الجوع ومساعدة المحتاجين‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبغض النظر عن مجالس إدارات هذه الجمعيات التي تتشكل غالبًا من أبناء أو أحفاد َمن بنى المسجد‪ ،‬فإن العاملين فيها بأجر‬
‫يكونون محدودين بشكل كبير‪ ،‬بل إن بعض الجمعيات يعتمد على الجهود الذاتية من جمع التبرعات وتنظيم الميزانيات وتحديد طبيعة‬
‫المساعدات بعد مقابلة الحاالت وتقييمها‪ .‬إضافة إلى ذلك فإنه نظرً ا لصغر أماكن هذه الجمعيات ومحدودية األدوار التي تقوم بها فإنها‬
‫ال تحتاج لعمالة كثيرة مكلفة‪ ،‬فبعض هذه الجمعيات يعتمد على فرد واحد أو فردين لمجرد فتح الجمعية في ساعات محددة وقليلة‪،‬‬
‫غالبًا ما تبدأ من العاشرة صباحً ا وحتى الثانية أو الثالثة بعد الظهر‪ ،‬بهدف استقبال الحاالت‪ .‬كما أن البعض اآلخر منها يكتفي بجهود‬
‫مخصص للقيام بأعمال الجمعية بشكل رسمي وبراتب منتظم‪ .‬كما أن الشخص الذي يتم تعيينه يكون من‬
‫األعضاء بدون تعيين شخص‬
‫َّ‬
‫أهل المنطقة المحيطة بالجمعية‪ /‬المسجد‪ ،‬ويكون على صلة بأحد األعضاء أو القائمين على أعمال الجمعية بحيث ال يكلف الميزانية‬
‫راتبًا كبيرً ا ويكون مضمو ًنا من ِقبَل الشخص الذي َّ‬
‫رشحه وعلى قدر كبير من الثقة واألمانة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أنواع العطاءات االجتماعية التي تتلقاها الجمعيات‬
‫تمثل التبرعات أهم الجوانب الهامة التي يعتمد عليها عمل الجمعيات الخيرية بشكل عام‪ ،‬وتلك الموجودة في المناطق الفقيرة والعشوائية بشكل خاص‪.‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ذلك تعتمد هذه الجمعيات‬
‫أشكاال عديدة منها صناديق المساجد التي سبق وأن أشرنا إليها في دعم الجمعيات الخيرية‪.‬‬
‫وتأخذ التبرعات‬
‫على التبرعات التي تأتيها من خالل إيصاالت الجمعية ً‬
‫وفقا للمبالغ التي يتبرع بها األفراد‪ .‬وهي تبرعات متواضعة ً‬
‫أيضا لكنها تمثل نسبة كبيرة من‬
‫إجمالي التبرعات التي يقدمها األفراد غالبًا ألهداف دينية مثل الزكاة والصدقات وأعمال الخير المختلفة‪ .‬وقد بين المسؤولون عن هذه الجمعيات‬
‫أهمية هذه التبرعات من ناحية أنها تشكل رك ًنا ها ّمًا من أركان ميزانية الجمعيات رغم ضآلتها‪ ،‬ومن ناحية أخرى ألنها تأتي من عدد كبير من‬
‫المواطنين‪ .‬ويلفت النظر هنا المغزى الديني إليصال التبرع من خالل المحددات التي يختارها المتبرع ألمواله والتي توجد في الكثير من الجمعيات‪:‬‬
‫كفالة يتيم‪ ،‬صدقة جارية‪ ،‬زكاة مال‪ ،‬وأخيرً ا زكاة فطر‪.‬‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد أشار الكثير من المسؤولين عن هذه الجمعيات إلى وجود بعض المتبرعين الكبار الذين يموِّلون الجمعيات بشكل سنوي‬
‫شبه ثابت‪ ،‬من خالل شيكات يتم صرفها‪ .‬والغريب أن هذه التبرعات تأتي من أفراد ال ينتمون للمنطقة‪ .‬فقد ذكر أحد المسؤولين عن إحدى‬
‫هذه الجمعيات بأن هناك شركتين تقومان بالتبرع بشيك سنوي للجمعية بقيمة ألف وخمسمائة جنيه للشيك الواحد؛ أوالهما شركة مساهمة‬
‫مصرية في مدينة نصر وثانيتها مكتب مقاوالت في الجيزة‪ ،‬وتم التعرف على الشركتين من خالل العالقات بأفراد آخرين‪ ،‬والالفت للنظر‬
‫أن الشركتين تتبرعان بهذه المبالغ من خالل حساب الزكاة الخاصة بهما‪ .‬كما تجدر اإلشارة إلى أن القبول بالدفع تم بعد زيارة مسؤولين‬
‫من ِقبَل الشركتين للجمعية وتأكدهما من األدوار الهامة التي تقوم بها في مساعدة الفقراء والمحتاجين‪ .‬وترتبط باقي الجمعيات ببعض‬
‫وخصوصا رجال األعمال والمقاولين‪.‬‬
‫األفراد الذين يتبرعون بمبالغ سنوية كبيرة نسبيًّا من حساب زكاة المال الخاصة بهم‪،‬‬
‫ً‬
‫ويلفت النظر هنا أن شهر رمضان يمثل شهرً ا فري ًدا بالنسبة لحجم التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية سوا ًء في جانبها المادي أو‬
‫المعنوي‪ .‬وقد وصف أحد المسؤولين شهر رمضان بأنه يمثل فترة رواج للجمعيات ككل‪ ،‬األمر الذي يمثل مخزو ًنا كبيرً ا يساعد على‬
‫مواجهة العجز المتوقع في الشهور التالية‪ .‬وكشف بعض المسؤولين ً‬
‫أيضا عن قيام بعض الشركات بدفع زكاة المال في شهر رمضان من‬
‫أجل تعظيم األجر والثواب‪ ،‬وهو تصوُّر‪ً ،‬‬
‫وفقا للمسؤول نفسه‪ ،‬ال يُعرف مدى صحة تفسيره‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الخدمات األساسية المشتركة بين الجمعيات الخيرية‬
‫يمكن القول بأن هناك تشابهًا كبيرً ا بين الخدمات التي تقدمها جمعيات الدراسة الراهنة بما في ذلك الجمعيات غير المرتبطة بالمساجد‪.‬‬
‫ويعود ذلك بدرجة أو بأخرى إلى طبيعة منطقة بوالق الدكرور التي تتسم بدرجة عالية من الفقر بين المقيمين‪ ،‬واحتياج العديد من األسر‬
‫لمثل هذه الخدمات من ِقبَل الجمعيات الخيرية‪ .‬وفي هذا السياق يمكن القول ً‬
‫أيضا بأن تلك الجمعيات ال ترتبط بتصور مسبق خاص بالعمل‬
‫الخيري أو أية رؤى جديدة الحتياجات المنطقة‪ ،‬ومن ثم المقيمين؛ فمباشرة يتجه الراغبون في إنشاء الجمعية نحو األهداف والخدمات‬
‫المتعارف عليها من ِقبَل جمعيات أخرى مجاورة مثل دفن الموتى ومساعدة المحتاجين والفقراء واأليتام وبرامج الحج والعمرة‪ ...‬إلى غير‬
‫ذلك من الخدمات التي يمكن أن نطلق عليها «الخدمات األساسية للجمعيات الخيرية» مما سوف نوضحه فيما يلي‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‬
‫•كفالة األيتام ومساعدتهم‪ :‬يأتي في مقدمة هذه الخدمات كفالة اليتيم لما له من أهمية خاصة لدى المسلمين‪ ،‬وارتباط ذلك بحث‬
‫الرسول عليه‪ .‬وتمثل كفالة اليتيم َّ‬
‫ً‬
‫عميقا يرتبط بالعديد من الممارسات األخرى الخاصة به‪ .‬ونعني بمفهوم «المركب‬
‫مركبًا خيريًّا‬
‫الخيري» ذلك الفعل الخيري الموجَّ ه لفئة معينة والذي يرتبط بالعديد من الممارسات األخرى التي تفيد اليتيم وأسرته‪ .‬فالمالحظ‬
‫ً‬
‫فأوال يتم توجيهها ألسرته من أجل تغطية مصروفات التعليم‬
‫هنا أن توجيه التبرعات لليتيم يتم في ضوء العديد من الممارسات؛‬
‫والملبس‪ ،‬وثانيًا تقوم بعض األسر بكفالة كافة احتياجات اليتيم إلى أن ينهي تعليمه‪ ،‬أو على األقل ينهي مراحل هامة منه‪ ،‬وثالثاً‬
‫تقوم بعض الجمعيات بالمساعدة في تجهيز العرائس اليتيمات المقبالت على الزواج وهي مسألة محددة بأل َفي جنيه كحد أقصى‬
‫للحالة الواحدة‪ ،‬وأخيرً ا يتم تنظيم االحتفاالت والرحالت الدائمة الخاصة باليتامى‪ ،‬وبشكل خاص االحتفال بيوم اليتيم‪ ،‬مع ما‬
‫توفره هذه النوعية من االحتفاالت من تقديم هدايا عينية مختلفة‪.‬‬
‫‬
‫ً‬
‫شرطا هنا أن يكونوا من األيتام؛ فمن الممكن‬
‫•المساعدات االجتماعية‪ :‬توجه هذه المساعدات االجتماعية للحاالت غير القادرة‪ ،‬وليس‬
‫أن يتم توجيه هذه المساعدات ألسر كاملة من األب واألم واألبناء‪ ،‬شريطة االحتياج وعدم كفاية الدخل‪ .‬وكما لعب العامل الديني‬
‫دوره الكبير في تقديم المساعدات لأليتام فإنه بالمثل يقوم بدور هائل في الحث على مساعدة المحتاجين والفقراء ً‬
‫وفقا لتوجيهات‬
‫القرآن الكريم‪ .‬ولعل ذلك يتوافق مع طبيعة البطاقات الدعائية واإلعالنية (البروشورات) الخاصة بهذه الجمعيات والتي تستخدم‬
‫آيات قرآنية وأحاديث نبوية من أجل حث الناس على التبرع وتخفيف األعباء عن الفقراء والمحتاجين‪ .‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أن‬
‫أحد المسؤولين عن هذه الجمعيات قد بيَّن لي أهمية إثارة عاطفة الناس نحو المحتاجين والفقراء‪ ،‬وبشكل خاص عبر استخدام اآليات‬
‫القرآنية واألحاديث النبوية‪ ،‬التي تحضهم على المزيد من التبرع من خالل التقرب إلى هللا وضمان الجنة‪ .‬وترتبط المساعدات‬
‫بمبالغ محددة يتم الحصول عليها شهريًّا بشكل نقدي مباشر ً‬
‫وفقا لإلمكانيات الخاصة بكل جمعية على حدة‪ ،‬كما قد يتم صرفها‬
‫من خالل تحمل المصروفات الخاصة باألسرة وسدادها نيابة عنها مثل دفع مصروفات المدارس لمن ال يستطيعون ذلك‪ ،‬إضافة‬
‫إلى دفع مستحقات الكهرباء والمياه وغيرها من مستلزمات األسر األخرى‪ .‬وفي ظل زيادة نسب الفقر وتراجع دور الدولة تواجه‬
‫ً‬
‫ضغوطا متزايدة من شهر آلخر بسبب زيادة أعداد المحتاجين في ظل تراجع التبرعات والميزانيات الخاصة بها‪.‬‬
‫هذه الجمعيات‬
‫‬
‫•دفن الموتى‪ :‬من أبرز الخدمات التي تقدمها تلك الجمعيات خدمة دفن الموتى‪ ،‬وهي مسألة على قدر كبير من األهمية في ظل‬
‫وجود الكثيرين من الفقراء في هذه المناطق ممن ليس لهم مدفن خاص بهم وبأسرهم‪ ،‬كما أن الكثيرين منهم من الفقراء النازحين‬
‫من محافظات بعيدة‪ ،‬األمر الذي يزيد من صعوبة عملية نقل الجثث إليها‪ ،‬ناهيك عن التكلفة العالية‪ .‬وترتبط خدمة دفن الموتى‬
‫َّ‬
‫للمتوفى والقيام بعملية النقل عبر سيارة دفن الموتى التي تمتلكها بعض هذه الجمعيات‬
‫بمسألتين أخريين تتعلقان بتوفير الكفن‬
‫وليس كلها‪ .‬فمن خالل الجمعيات المدروسة وجدنا ثالث جمعيات منها تمتلك سيارة لدفن الموتى‪ .‬كما وجدنا جمعية أخرى‬
‫قامت ببيع السيارة الخاصة بها نظرً ا ل ِقدمها‪ ،‬وتحاول اآلن جمع التبرعات من أجل شراء سيارة جديدة‪ .‬ويوضح القائمون على‬
‫الجمعيات ممن ال يمتلكون سيارات بأنهم يقدمون خدمة نقل الموتى بالتعاون مع الجمعيات األخرى نظير مبلغ يتحدد ً‬
‫وفقا لبعد‬
‫المدفن‪ ،‬حيث يتم دفع سبعين جنيهًا للمدافن التي تقع في الفيوم أو في السادس من أكتوبر‪ ،‬كما يتم دفع خمسين جنيهًا للمدافن‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫المتوفى‬
‫إضافة إلى ذلك تقوم بعض الجمعيات بخدمة نقل الموتى للمحافظات البعيدة في حالة رغبة أهل‬
‫التي تقع وسط القاهرة‪.‬‬
‫ْ‬
‫دف َنه في المحافظات التابع لها‪ ،‬وذلك نظير جنيه ونصف الجنيه عن كل كيلومتر تقطعه السيارة‪.‬‬
‫‬
‫•اإلطعام‪ :‬تقدم كافة الجمعيات سلة أطعمة للفقراء والمحتاجين تشمل المتطلبات األساسية لألسرة من زيت وأرز ومكرونة ودقيق‬
‫ولحوم وغيرها من االحتياجات األخرى‪ ،‬بما يساعد على مواجهة أعباء الحياة اليومية‪ ،‬في مسألة على قدر كبير من األهمية‬
‫بالنسبة للفقراء تتعلق بمواجهة الجوع وعوامل التغذية المختلفة‪ .‬وقد تقوم الجمعية مباشرة بالعمل على توفير هذه االحتياجات‬
‫بما يُعرف بحقيبة الطعام من خالل ميزانياتها الخاصة‪ ،‬وقد تقوم بتوفير ذلك من خالل الشراكة مع بنك الطعام الذي يقوم بسداد‬
‫نصف التكلفة وتقوم الجمعية بسداد النصف اآلخر بعد التأكد من قدرتها على السداد وتقييم ما تقوم به من خدمات للمجتمع‬
‫المحلي المحيط بها‪ .‬ويكشف أحد القائمين على جمعية الخدمات االجتماعية والدينية الملحقة بمسجد أبو الليل‪ ،‬وهي الجمعية‬
‫الوحيدة بين جمعيات الدراسة التي لها عالقة شراكة مع بنك الطعام‪ ،‬أن الجمعية قدمت طلبًا للشراكة مع البنك الذي قام‬
‫بدوره بإرسال أفراد من ِقبَله للتيقن من القدرة المالية للجمعية التي تسمح لها بالحصول الشهري على الطعام والقيام بالسداد‪.‬‬
‫ويكشف هذا المسؤول أن البنك قد وافق على التعامل مع الجمعية ضمن أربع جمعيات أخرى فقط في منطقة بوالق الدكرور‬
‫التي تعج بالجمعيات الخيرية‪ .‬ومن المالحظ أن عملية اإلطعام هذه تستدعي زيادة في اإلنفاق المستمر بسبب ارتفاع أسعار‬
‫ً‬
‫فوفقا للمسؤول في الجمعية السابقة فإن تكلفة حقيبة الطعام التي يقدمها بنك الطعام قد زادت من خمسين‬
‫السلع المختلفة‪،‬‬
‫جنيهًا إلى خمسة وسبعين جنيهًا‪ ،‬وهو أمر يمثل ً‬
‫عبئا على الجمعية حيث إنها تدفع للبنك نصف التكلفة ويتحمل البنك النصف‬
‫اآلخر‪ .‬ويرتبط بعملية اإلطعام ً‬
‫أيضا ما يُعرف في مصر بموائد الرحمن التي تنتشر في شهر رمضان والتي تساهم فيها‬
‫الجمعيات الخيرية بقسط كبير ضمن مساهمات األفراد العاديين الذين تزداد مساهماتهم في هذا الشهر الكريم‪.‬‬
‫‬
‫ً‬
‫تحوال في طبيعة الخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية؛ ففي ضوء تعدد وتنوع‬
‫•عالج المرضى‪ :‬تفرض التطورات المجتمعية‬
‫األمراض التي تصيب المصريين في السنوات األخيرة ورفع الدولة يديها عن دعم الفقراء صحيًّا واجه المصريون أعبا ًء مضاعفة‬
‫في مواجهة األمراض التي تصيبهم‪ ،‬وهو أمر أضاف خدمة جديدة بالنسبة للكثير من الجمعيات الخيرية في مصر‪ .‬إن مسألة‬
‫توفير العالج الالزم أصحبت واحدة من أهم الخدمات التي تتوج بها الجمعيات الخيرية مجهوداتها اآلن في مصر‪ ،‬إلى الحد الذي‬
‫ً‬
‫نسب‬
‫جعل أحد المسؤولين عن إحدى جمعيات الدراسة يرى أن البند الخاص بالعالج «أخطر من أي بند آخر»‬
‫معلال ذلك بارتفاع َ‬
‫المرضى في مصر‪ ،‬وظهور أمراض كثيرة ومزمنة لم يعتدها المصريون من قبل‪ .‬ومن خالل ذلك يرى أن فتح خط عالجي مع‬
‫األطباء والمستشفيات يمثل قيمة مضافة للخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية اآلن‪ .‬كما يرى أن المسألة تحتاج إلى جهد من‬
‫ً‬
‫فعال لخدمات طبية ال تستطيع تحمل تكلفتها‪ ،‬وثانيتها التعرف على األطباء‬
‫ناحيتين أوالهما التعرف على الحاالت التي تحتاج‬
‫والمستشفيات وطبيعة الخدمات والتبرعات التي يمكن أن يقدموها والتي تتراوح بين تحمل التكلفة الكلية للعالج والتنازل عن بعض‬
‫التكلفة لصالح المرضى‪ .‬وفي ضوء ذلك فقد كشف هذا المسؤول عن أنه استطاع توفير ما يقرب من خمسين عملية قلب مفتوح من‬
‫ً‬
‫قائال‪« :‬هناك بعض األطباء‬
‫خالل التواصل مع األطباء والمستشفيات وطلب المساهمة منهم في إجراء مثل هذه العمليات‪ ،‬ويضيف‬
‫الذين يسهل التعامل معهم وطلب الخدمات المجانية كاملة منهم‪ ،‬وهناك البعض اآلخر يقبل بالمساهمة الجزئية‪ ،‬وأخيرً ا هناك‬
‫البعض الذي ال يسمعنا‪ ،‬ويمكن قول الكالم نفسه بالنظر للمستشفيات وطبيعة المساهمة الخاصة بها»‪ .‬وإذا كان بنك الطعام يتعامل‬
‫بالشراكة مع الجمعيات الخيرية من أجل توصيل الطعام للفقراء والمحتاجين فإن بنك الشفاء المصري يتعامل مع الحاالت المرضية‬
‫المرسلة له من ِقبَل الجمعيات الخيرية حيث يقوم بتقييمها والتعرف على احتياجاتها الصحية ثم يقوم بعالجها ً‬
‫وفقا إلمكانياته‬
‫َ‬
‫المتاحة‪ .‬وباستثناء كافة الجمعيات المدروسة التي تقوم بإرسال بعض الحاالت التي لديها من أجل العالج‪ ،‬فإن جمعية رؤية العين‬
‫الخيرية قامت بعمل برنامج عالجي لديها يُطلق عليه «برنامج الرعاية الطبية األساسية» يتم من خالله توفير مجموعة من األطباء‬
‫والصيدليات والمعامل التحليلية التي يمكن للمتعاملين معها استخدامها والتواصل معها بأسعار مجانية أو رمزية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الخدمات غير األساسية التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية‬
‫ً‬
‫ً‬
‫مشتركا بين جمعيات عينة الدراسة‪ ،‬توجد مجموعة أخرى من‬
‫بجانب هذه المجموعة من الخدمات األساسية التي تكاد تكون قاسمًا‬
‫الخدمات غير األساسية التي تتنوع من جمعية ألخرى ً‬
‫وفقا لطبيعة نشأتها والتوجهات واألهداف الخاصة بها وطبيعة المكان واإلمكانيات‬
‫المتوفرة لها‪ .‬وتتمثل هذه الخدمات في قيام بعض هذه الجمعيات بحل النزاعات التي تندلع بين الجيران بما في ذلك المشكالت التي‬
‫تنشأ بين المسيحيين بعضهم ببعض‪ ،‬أو بين المسلمين بعضهم ببعض‪ ،‬أو بين المسلمين والمسيحيين‪ .‬وتكتسب هذه الخدمة أهمية‬
‫كبيرة ومتصاعدة في ضوء المكانة الكبيرة التي يتحلي بها القائمون على الجمعيات الخيرية‪ ،‬ومعرفة أهل الحي المحيط بالمسجد أو‬
‫الجمعية بهم وبأهميتهم كفاعلين اجتماعيين‪ .‬وهي مسألة تتسق مع ما سبق أن ذكرناه حول هيمنة الفلسفة األبوية والدينية في العطاء‬
‫االجتماعي‪ ،‬ومن ثم في التأثير على حل المشكالت والنزاعات التي تنشأ بين األفراد في المنطقة‪ .‬وفي ظل ضعف الدور األمني‬
‫ً‬
‫متمثال في أقسام الشرطة وارتفاع حدة النزاعات بين المواطنين في المنطقة تبدو أهمية هذه الخدمة والجوانب اإليجابية المرتبطة بها‪،‬‬
‫وعلى رأسها تخفيف التوتر بين المقيمين والتخلص من أعمال العنف والمشكالت االجتماعية المختلفة‪.‬‬
‫ومن بين الخدمات األخرى التي تقوم بها الجمعيات الخيرية ‪ -‬والتي تمثل بدايات جنينية غير واضحة المعالم لجهود هذه الجمعيات ‪-‬‬
‫مسألة المساعدة في إقامة المشروعات الصغيرة لبعض الحاالت المعوزة في المنطقة‪ ،‬وهي جهود أولية ج ًّدا في ضوء عدم نجاح أغلبها‬
‫في استمرارية المشروعات التي بدأتها‪ ،‬وفي ضوء العدد القليل الذي تم من هذه المشروعات؛ فقد بيَّن معظم مسؤولي هذه الجمعيات‬
‫عدم اهتمام المواطنين بالمشروعات‪ ،‬ورغبتهم فقط في الحصول على البضاعة‪ ،‬مع وجود قدر كبير من اإلهمال في متابعة العمل‬
‫والمشروعات الصغيرة التي وفرتها الجمعية‪ .‬واألمثلة على هذه النوعية من المشروعات المحدودة عديدة؛ مثل توفير عربة كارو وحمار‬
‫لرجل يريد أن يبيع الخضار والفاكهة‪ ،‬وتوفير الخبز باالتفاق مع أحد األفران المرأة يمكنها أن تبيعه في أي مكان في المنطقة‪ ،‬أو توفير‬
‫بعض المواد الغذائية البسيطة مثل السكر والشيبسي والمكرونة وغيرها من لوازم البيت ألحد األشخاص لكي يبيعها أمام منزله‪ ،‬أو‬
‫مشروع عربة كبدة صغيرة مع توفير كافة المواد الغذائية المطلوبة لبدء العمل بها‪ ،‬واستئذان أحد أصحاب المقاهي من أجل السماح‬
‫لوقوف الشخص للعمل في جزء من مقهاه أو أمامه‪ ،‬أو توفير ّ‬
‫حضانة لعمل الزبادي‪ ،‬وأخيرً ا توفير الخضار والفاكهة لمن يريد أن‬
‫يبيعهما‪ .‬ويكشف أحد المسؤولين الذين بدأوا تقديم خدمة المشروعات الصغيرة للمحتاجين عن أن نسبة تسعين بالمائة (‪ )٪90‬من هذه‬
‫ً‬
‫فشال ذريعًا‪ ،‬وذلك بسبب عدم رغبة الناس في العمل الجاد ومتابعة عملهم‪ .‬وتكمن مشكلة هذه المشروعات في‬
‫المشروعات قد فشلت‬
‫أنها مرتبطة بميزانية محددة ال يمكن تجاوزها‪ ،‬فمن غير الممكن أن يتم وضع عشرة آالف جنيه في مشروع واحد بينما المتوفر ضمن‬
‫ميزانية الجمعية ال يتجاوز عشرين ألف جنيه‪ ،‬لذلك فإن معظم هذه الجمعيات تهتم بالمشروعات صغيرة الحجم التي توفر عائ ًدا محدو ًدا‬
‫للمحتاجين بغية الحفاظ على ميزانية الجمعية وصرفها في مصادرها المعهودة لأليتام والفقراء والمحتاجين‪ .‬كما تتبنى بعض الجمعيات‬
‫ً‬
‫دخال ً‬
‫ثابتا على هذه األسر‪.‬‬
‫مثل جمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي مشروعات تتعلق باألسر المنتجة عبر ترويج منتجاتها بما يُ ِدرُّ‬
‫وبجانب ذلك‪ ،‬توجد أنشطة خدمية أخرى ترتبط بالجمعيات الخيرية مثل رحالت الحج والعمرة التي تمثل فيها الجمعيات دور الوسيط بين‬
‫من يريد الحج أو العمرة من أعضاء الجمعية وبين شركات التسفير المختلفة‪ ،‬إضافة إلى إنشاء حضانة في أحد حجرات الجمعية لألطفال‪،‬‬
‫وتنظيم برامج تعليمية للنساء‪ .‬وفي أعقاب الثورة المصرية‪ ،‬زاد ً‬
‫أيضا استضافة الشيوخ المعروفين من أجل إلقاء المحاضرات على سكان‬
‫ً‬
‫مسبقا ويتم وضع ملصقات بها على جدران المساجد المختلفة‪.‬‬
‫المنطقة‪ ،‬حيث تتحدد مواعيد هذه المحاضرات‬
‫وعلى ذكر مسألة العضوية‪ ،‬فقد بيَّن أحد المسؤولين أن رسْ م االشتراك السنوي لعضوية الجمعيات الخيرية بسيط ج ًّدا ال يتجاوز الخمسة‬
‫ً‬
‫نيابة عن األعضاء حتى ال يتم إغالق الجمعية ً‬
‫وفقا للوائح وزارة الشئون االجتماعية‪ .‬وبجانب‬
‫جنيهات‪ ،‬ورغم ذلك تقوم الجمعية بدفعه‬
‫ذلك توجد بعض األنشطة األخرى التي ترتبط بنوع الجمعيات‪ ،‬وهي أنشطة ترفيهية وخدمية في الغالب األعم‪ .‬ففي جمعية رؤية العين‬
‫الخيرية‪ ،‬وهي جمعية تمتلك إمكانيات مالية كبيرة بسبب ارتباطها بأحد رجال األعمال‪ ،‬يتم تنظيم بعض المعارض الخاصة بالمالبس الجديدة‬
‫والمستخدمة ألهل المنطقة‪ ،‬إضافة إلى إقامة بعض الدورات الرياضية بالتعاون مع نادي بوالق الدكرور‪ ،‬وأخيرً ا القيام ببعض الرحالت‬
‫الترفيهية لليتامى‪ .‬كما قامت بعض الجمعيات األخرى بعمل أنشطة رياضية مختلفة مفيدة للمتعاملين مع الجمعية‪ .‬ورغم ذلك يمكن القول‬
‫بأن هذه األنشطة عابرة وغير أساسية بالنسبة لنشاط هذه الجمعيات التي تهتم أساسً ا بتوجيه الخدمات مباشرة للفقراء واليتامى والمحتاجين‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الجمعيات الخيرية بين هيمنة العامل الديني وتراجع العامل المدني‬
‫ً‬
‫ً‬
‫بداية من إنشاء المسجد أو المؤسسات والجمعيات الخيرية‪،‬‬
‫ال يغيب دور العامل الديني عن العطاء االجتماعي في أيٍّ من جوانبه المختلفة‪،‬‬
‫مرورً ا بجمع التبرعات الفردية والجمعية‪ .‬ويرى أحد المسؤولين عن إحدى الجمعيات أن العطاء االجتماعي ليس له ضمانة في االستمرار‬
‫إال من خالل التوجه الديني واالستعانة به‪ .‬ورغم حديثي معه حول دور المجتمع المدني بشكل عام في دعم العطاء االجتماعي والترويج‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ذلك فقد تبين أن المواطنين في المناطق الفقيرة يفضلون التبرع للمؤسسات الدينية التي يثقون‬
‫له فإنه بدا غير مقتنع بذلك‪.‬‬
‫فيها بسبب طابعها الديني وارتباطها بالمسجد‪ .‬ونظرً ا للطابع الثقافي المتواضع للمواطنين في هذه المناطق‪ ،‬فإنهم ال يعرفون سوى تلك‬
‫الجمعيات الدينية المرتبطة بالمساجد‪ ،‬بل إنهم في أحيان كثيرة يرتبطون بشخص شيخ معين يثقون فيه وبتوجيهاته ألمور الزكاة ومصارف‬
‫التبرعات المختلفة (حول التأثيرات الهائلة المرتبطة بالعامل الديني بالنظر لفعل الخير والتبرع والعطاء االجتماعي‪ ،‬انظر‪ :‬موسى ‪.)2009‬‬
‫كما أن صدور بعض الفتاوى التي تحض على استخدام الزكاة والصدقات للجمعيات الخيرية‪ ،‬وغيرها من منافذ الخدمات العامة مثل‬
‫المستشفيات‪ ،‬قد ساعد بدرجة كبيرة على توجيه جانب كبير من الزكاة‪ ،‬وبشكل خاص زكاة المال لهذه المؤسسات‪ ،‬األمر الذي يدعم عملها‬
‫ويساعد المحتاجين والفقراء ويفتح ً‬
‫آفاقا أوسع للعطاء االجتماعي في هذه المناطق‪.‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬فإنه ال يمكن توسيع دائرة العطاء االجتماعي في مصر بدون ارتباطها بالدوافع الدينية‪ ،‬على األقل لفترات طويلة قادمة‪.‬‬
‫فالمصريون بشكل عام‪ ،‬مسلمون وأقباط‪ ،‬يفضلون العطاء االجتماعي المرتبط بالدوافع الدينية‪ .‬ويتفق ذلك مع رؤية نظرية التبادل االجتماعي‬
‫‪ Social Exchange Theory‬والتي ترى أن العطاء االجتماعي يحقق للفرد نوعً ا من اإلشباع الذاتي والمنفعة العقالنية‪ ،‬على األقل‬
‫من خالل تعظيم مكانة الفرد المتبرع هو وأسرته‪ ،‬وتصويره في صورة المحسن الطيب المرتبط بتعاليم دينه؛ فتصوُّر أن المساعدات‬
‫خصوصا في ظل مجتمعات‬
‫والتبرعات مرتبطة بمساعدة الفقراء فقط تصوُّر يفترض نوعً ا من المثالية المفرطة في السلوك اإلنساني‪،‬‬
‫ً‬
‫يغلب عليها الممارسات والتوجهات الدينية‪ .‬فواقع التبرعات يرتبط بشكل رئيس بتحقيق قدر من اإلشباع الديني وااللتزام بالتوجيهات الدينية‬
‫المختلفة الواردة في القرآن والسنة النبوية‪ ،‬األمر الذي يحقق للفرد من جانب آخر قدرً ا من اإلشباع النفسي المرتبط بالحساب األخروي‪.‬‬
‫ورغم الدور الكبير للعامل الديني في العطاء االجتماعي‪ ،‬فإن األمر يستدعي توسيع هذه الرؤية وتدعيم ارتباطها بالمجتمع المدني والجوانب‬
‫المختلفة الخاصة به‪ .‬وتكمن أهمية هذا التوسع في أنه يربط العطاء االجتماعي برؤى مجتمعية جديدة بما ينوِّع من الخدمات المقدمة وال‬
‫يحصرها في مساعدة الفقراء والمحتاجين فقط‪ .‬فالمالحظ أن الجمعيات الخيرية مازالت تحصر نفسها في إطار التوجه الديني المفرط‪،‬‬
‫األمر الذي يحرمها ‪ -‬رغم الخدمات العديدة التي تقدمها ‪ -‬من توسيع رؤيتها للخدمات المقدمة للمجتمعات المحلية التي توجد فيها‪،‬‬
‫ً‬
‫فضال عن أنها تخلق أسرً ا وأفرا ًدا‬
‫وتحصرها في المساعدات الفورية فقط؛ وهي التي قد ال تسمن وال تغني من جوع في أحيان كثيرة‪،‬‬
‫يستمرئون المساعدات المقدمة لهم ويتعودون عليها وال يطورون من واقعهم وال يسعون إلى تغييره‪.‬‬
‫ومما يزيد من صعوبة تحول هذه الرؤية الدينية إلى رؤية مجتمعية مدنية أشمل‪ ،‬أن القائمين على هذه المؤسسات ال يمتلكون‬
‫ً‬
‫محترفا للعمل الخيري؛ تصورً ا يتأسس على رؤى استراتيجية بعيدة المدى لمواجهة الفقر وتقديم مساعدات‬
‫تصورً ا مهنيًّا‬
‫حقيقية للفقراء والمحتاجين تمكنهم من تغيير واقعهم‪ ،‬وتساعدهم على االندماج في المجتمع عبر قيامهم بأعمال تخصهم وتجنبهم‬
‫االستمرار في تلقي المساعدات‪ .‬وهو ما سوف نناقشه باستفاضة في النقطة التالية الخاصة بكيفية تطوير العملي الخيري‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫سابعًا‪ :‬الرؤية االستراتيجية لعمل الجمعيات الخيرية وكيفية تفعيلها وتطويرها‬
‫من الجوانب الهامة التي ترتبط بأي عمل مؤسسي ضرورة وجود رؤى آنية لمواجهة تحديات الواقع والمتطلبات الملحة الخاصة به‪ ،‬ووجود‬
‫رؤى استراتيجية من أجل التطوير والتقدم‪ ،‬وتحسين مستوى األداء‪ ،‬وتكريس فعل التغيير‪ ،‬وتحقيق تمكين فاعل للبشر المستهدفين‪ .‬وإذا‬
‫كان العطاء االجتماعي في جمعيات الدراسة الراهنة يرتبط بشكل مباشر بالواقع اليومي المعيش وينغمس فيه بشكل كبير فإنه ال يقدم لنا‬
‫أطرً ا استراتيجية جديدة لتطوير هذا الواقع وتحسينه إلى ح ٍّد بعيد‪ .‬وربما يعود ذلك لضعف اإلمكانيات بشكل كبير وزيادة مستويات الفقر‪،‬‬
‫األمر الذي يمنع من تكوين أية أطر استراتيجية جديدة تساعد على تطوير العطاء االجتماعي (حول التعريف بالتخطيط االستراتيجي‬
‫الخاص للمنظمات غير الربحية‪ ،‬انظر‪ :‬أليسون وكاي ‪2006‬؛ وحول متطلبات نجاح العطاء االجتماعي من خالل تطوير أساليب العمل‪،‬‬
‫انظر‪ :‬موسى ‪2009‬؛ وانظر‪ 2009 Chew :‬في تناولها للوضع االستراتيجي للجمعيات الخيرية بالتطبيق على الحالة البريطانية)‪.‬‬
‫وتتسم الرؤى االستراتيجية للقائمين على عمل هذه الجمعيات بالقصور الشديد‪ ،‬بل إن الكثير منهم ال يعنيه العمل المتطور بعيد المدى‪،‬‬
‫بقدر ما يعنيه مواجهة متطلبات الواقع الحالي‪ ،‬وسد احتياجات الحاالت المسجلة لدى الجمعيات‪ .‬يقول أحد المسؤولين الذين تحدثت‬
‫ً‬
‫كاشفا عن ضعف اإلمكانيات التي تحت يديه‪ ،‬والتي تشكل بالنسبة‬
‫معهم حول التطور االستراتيجي للجمعيات بعامة وجمعيته بخاصة‪،‬‬
‫ً‬
‫ضعفا مزم ًنا في التوسع وتقديم المزيد من الخدمات األخرى‪:‬‬
‫إليه‬
‫ً‬
‫فمثال محو األمية موضوع‬
‫«ليست لديَّ اآلليات وال اإلمكانيات التي تساعد على التوسع في عمل مشروعات دائمة للمحتاجين‪،‬‬
‫صعب التنفيذ بسبب عدم وجود مكان يستوعب الدارسين‪ ،‬كما أنني فكرت في عمل مشغل يتم من خالله توفير العمل للفتيات‪ ،‬وهذا‬
‫يحتاج لميزانية كبيرة‪ ،‬واألهم من ذلك أنه يحتاج لمكان واسع ً‬
‫أيضا‪ ،‬كما أنني أعاني من ضعف الجانب اإلعالمي للجمعية‪ ،‬بمعنى‬
‫تعريف الناس بها وباألنشطة المختلفة التي تقدمها‪».‬‬
‫وتثير كلمات هذا المسؤول العديد من القضايا الهامة المرتبطة بالصعوبات التي تواجه العطاء االجتماعي في المنطقة‪ ،‬وهي تنطبق بشكل‬
‫كبير على باقي الجمعيات األخرى‪ ،‬كما أنها ترتبط ً‬
‫أيضا بظروف النشأة وضعف التعاون بين مؤسسات العطاء االجتماعي ذاتها‪ .‬فمن بين‬
‫أبرز القضايا التي تُضعف من كفاءة العطاء االجتماعي وتنتهي به إلى مواجهة قضايا الفقر العاجلة عبر المساعدات الفورية عدم وجود‬
‫أماكن مناسبة تساعد على التوسع في األنشطة ومواجهة االحتياجات المختلفة لسكان المنطقة‪ ،‬وبشكل خاص ما يتعلق بموضوعات محو‬
‫األمية والتشغيل وغيرها من المشروعات التي تنقل الفرد من مستوى تلقي المساعدات إلى مستوى التمكين والتطور والفعالية‪ .‬بل إن‬
‫الجمعيات التي لديها أنشطة فعلية جديدة مثل وجود حضانة لألطفال تعاني من ضيق المساحة وعدم قدرتها على تطويرها‪ ،‬واستيعاب عدد‬
‫أكبر من األطفال مثل جمعية رؤية العين وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي‪.‬‬
‫وترتبط هذه القضية بجانب آخر يتعلق بعدم التنسيق بين الجمعيات المختلفة‪ ،‬أو بشكل أكثر دقة عدم التنسيق بين المساجد المختلفة بما يخلق‬
‫توجها عا ّمًا لحلول جذرية للمنطقة؛ فكل مسجد يريد أن تكون له جمعيته الخاصة ومنطقته الخاصة وشيخه الخاص والقائمون عليه‪ ،‬ناهيك‬
‫حتى عن المصلين المرتبطين به والمتبرعين له؛ فهناك حالة تشرذم غير عادية بين المساجد بما ِّ‬
‫يعطل من اإلجماع الواعي على طرق‬
‫جيدة خاصة بالعطاء االجتماعي الحقيقي والجاد بعي ًدا عن التنافس والصراع‪ .‬ففي المناطق الشعبية‪ ،‬توجد مساجد كثيرة بشكل مفرط ج ًّدا‪،‬‬
‫مقارا لها‪ ،‬وهو‬
‫والكثير من هذه المساجد يرتبط بجمعيات خيرية‪ ،‬إضافة إلى العديد من الجمعيات األخرى التي تتخذ من الشقق العادية‬
‫ًّ‬
‫أمر يُحدث وال شك تُخمة غير حميدة في عدد هذه الجمعيات بدون التنسيق الواعي فيما بينها حول التخصص في خدمات دون غيرها‪،‬‬
‫وبشكل يؤدي إلى تكرار الخدمات بدرجة كبيرة مثل مساعدة األيتام والفقراء‪ ،‬إلى الحد الذي ذكر فيه أحد المسؤولين وجود أسر تحصل‬
‫على مساعدات من أكثر من جمعية خيرية‪ .‬كما أن هذه الوضعية تساعد على زيادة نسبة االحتيال من جانب الفقراء والمحتاجين على هذه‬
‫الجمعيات‪ ،‬وهو ما صرح به الكثير من المسؤولين عن هذه الجمعيات‪.‬‬
‫ويرتبط ضعف التوجه االستراتيجي بضعف المشاركة الشعبية من جانب األفراد‪ ،‬التي يمكن أن توسع من دائرة العمل التطوعي ومن‬
‫مستوى الرؤى المرتبطة بالتطوير والتحديث لعمل هذه الجمعيات وأنشطتها المختلفة‪ .‬فمعظم حدود المشاركة تقف في األغلب األعم‬
‫عند التبرعات التي يقدمها األفراد للمساجد أو للجمعيات‪ ،‬أما العمل التطوعي والمشاركة والمتابعة لألنشطة والحاالت المختلفة المتلقية‬
‫للمساعدات فإنها تكاد تكون غير موجودة‪ .‬وهي مسألة أكد عليها كل المسؤولين عن هذه الجمعيات‪ ،‬مؤكدين غياب األفراد شبه التام‬
‫عن المشاركة الفعلية في أنشطة الجمعيات‪ ،‬ورغم ذلك فإنه يمكن رد ذلك إلى الطابع المركزي األبوي لهذه الجمعيات الذي يفضل من‬
‫خالله القائمون علي شئونها تدبر أمورها المختلفة بدون إشراك أية أفراد آخرين‪ ،‬وبدون توسيع دائرة المشاركة والحوار‪ ،‬وهو أمر‬
‫يرتبط ً‬
‫أيضا بضعف المشاركة السياسية والمدنية في مصر خالل العقود الماضية‪.‬‬
‫وال يرتبط ضعف المشاركة بضعف العمل التطوعي وعدم إقبال األفراد عليه فقط‪ ،‬لكنه يتعدى ذلك إلى أن معظم األفراد ال يتابعون‬
‫تبرعاتهم للجمعية‪ .‬فقد كشف بعض المسؤولين عن هذه الجمعيات أنهم يرتاحون بصورة أقوى للشخص الذي يسأل عن مآل‬
‫التبرعات الخاصة به؛ حيث يصحبونه بأنفسهم للـتأكد من وصول التبرع لمستحقيه من األيتام واألرامل والفقراء‪ .‬ويرى القائمون‬
‫على هذه الجمعيات أن هذه المسألة على قدر كبير من األهمية في تدفق التبرعات‪ ،‬فثقة المتبرع من أن أمواله تصل لمستحقيها‬
‫يُنتج أمرين هامين للغاية؛ أولهما الثقة في القائمين على الجمعية‪ ،‬وثانيهما إيمانه بأهمية التبرعات التي يقوم بها حينما يرى تأثيرها‬
‫على الفقراء والمعوزين‪ ،‬مما يدفعه لبذل المزيد من التبرعات وتحوله هو ذاته إلى جامع تبرعات عبر أقربائه وأصدقائه ومعارفه‪.‬‬
‫إن عملية متابعة التبرعات والتيقن منها هامة ج ًّدا في خلق شبكات اجتماعية ممتدة من المتبرعين تتدعم عبرها الثقة ويزداد التشبيك‬
‫والتواصل االجتماعي وتتوسع الخدمات وتتنوع األهداف‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬يمكن القول بأن الناظم المشترك لحركة العطاء االجتماعي هو ناظم أقرب للفردية أو الجماعات الصغيرة ج ًّدا من‬
‫األفراد أكثر منه ناظم مؤسسي مجتمعي أوسع‪ .‬فالجمعية ترتبط باألساس بشخص معين أو عدد محدود من األفراد يتولون تقريبًا‬
‫كافة المهام الخاصة بتوزيع العمل وتنظيم التبرعات وتوزيعها‪ .‬وفي ضوء غياب رؤية جمعية للعمل وعدم اشتراك المقيمين في‬
‫المنطقة في عمل هذه الجمعيات‪ ،‬وبشكل خاص كيفية توجيه التبرعات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين‪ ،‬تنشأ حالة من االتهامات‬
‫للقائمين على الجمعية وبشكل خاص فيما يتعلق بذممهم المالية‪ ،‬والكيفية التي يتصرفون بها في التبرعات التي يتلقونها (حول أبرز‬
‫مشكالت الجمعيات األهلية في مصر والتي تشمل الشللية وهيمنة كبار السن وضعف الخبرات اإلدارية‪ ،‬ومن ثم استبعاد الشباب‬
‫واف ألهم الصعوبات التي تواجه عمل‬
‫من القيام بدوره‪ ،‬انظر‪ :‬تقرير الشبكة العربية للمنظمات األهلية ‪2007‬؛ وحول تفصيل‬
‫ٍ‬
‫المؤسسات الخيرية في العالم العربي‪ ،‬انظر‪ :‬موسى ‪.)2009‬‬
‫ورغم هذه الصورة القائمة على الفردية والشللية‪ ،‬فإن بعض المسؤولين يرون أنهم يطورون من كيفية العمل الخاص بالجمعيات التي‬
‫يتولون رعايتها‪ ،‬ويؤكدون على أن هذه الجمعيات تتطور بشكل أكبر مما كانت عليه في مرحلة النشأة والتأسيس‪ .‬ويأتي على رأس‬
‫الجوانب التي تطورت في عمل هذه الجمعيات ‪ -‬والتي مثلت أهمية حيوية بالنسبة للكثيرين منهم ‪ -‬تطوير القدرة على تقييم الحاالت‬
‫ً‬
‫فعال تحتاج للمساعدة أم أنها تدعي ال َع َوز والفقر‪ .‬وهذه المسألة‪ ،‬والتأكيد عليها من قبل العديد من‬
‫القادمة للجمعية‪ ،‬وتحديد ما إذا كانت‬
‫المسؤولين عن هذه الجمعيات‪ ،‬تكشف عن تشابه أنشطتها وعدم تمايزها بما يصب في النهاية في عدم مصلحة المجتمع المحلي وتمكين‬
‫أفراده‪ ،‬وتوجيه المساعدات وجهتها الصحيحة‪.‬‬
‫يقول أحد المسؤولين عن هذه الجمعيات موضحً ا المهارة التي اكتسبتها جمعيته في تحديد مدى االحتياج من جانب الحاالت‬
‫التي تتقدم بطلبات المساعدة‪:‬‬
‫«تتسم أنشطة الجمعية بالدقة؛ فالحاالت التي يتم صرف معونة شهرية لها تتم من خالل دراسة ميدانية تح ِّدد مدى احتياج الحالة‪،‬‬
‫والوضع المادي لها‪ ،‬ولديَّ هنا في الجمعية ثالث نساء ورجل يتولون تقييم الحاالت وهم من أعضاء مجلس اإلدارة‪ ،‬وتتم مراجعة‬
‫الحاالت كل سنتين من أجل التأكد من استحقاقها لإلعانة والتعرف على التغيرات المادية التي حدثت لهم‪ .‬ومن خالل هذا التقييم‬
‫يمكن أن نقرِّ ر االستمرار في مساعدة الحالة من عدمه‪ ،‬فبعض الحاالت تتحسن حالتها المادية العتبارات كثيرة مثل زواج األم أو‬
‫عثور األبناء الكبار على عمل وغيرها من العوامل األخرى‪ ،‬فالمتقدمون للحصول على المساعدة ال يطلبون من جرَّ اء أنفسهم رفع‬
‫المساعدة حال تغيُّر الظروف المادية الخاصة بهم‪ ،‬فالناس أميل للكذب واالحتيال‪».‬‬
‫ويرى مسؤول آخر أن مسألة تقييم الحاالت تُعد واحدة من أهم الخبرات التي تكتسبها الجمعيات الخيرية وتُطور العمل من خاللها حيث يقول‪:‬‬
‫«من أهم األعباء الملقاة على عاتق هذه الجمعيات هو دراسة الحاالت؛ فمعظم هذه الجمعيات تفتقد القدرة على تقييم الحاالت‬
‫المحتاجة‪ ،‬على األقل في بدايات النشأة األولى‪ ،‬وهو ما يؤدي في بعض األحيان إلى وصول اإلعانات والمساعدات لغير‬
‫مستحقيها‪ ،‬ولكن من الواضح أن هذه الجمعيات تطوِّر من أداء العمل الخاص بها بمرور الوقت‪ ،‬وتكتسب القدرة على تقييم‬
‫الحاالت وتحديد مدى احتياجها للمساعدة‪ ،‬وذلك من خالل خبرات العمل اليومية واالحتكاك باألفراد‪».‬‬
‫ومن مالمح تطوير العمل التي يؤكد عليها القائمون على هذه الجمعيات الخيرية ضمان استفادة الحالة من المساعدة المقدمة لها‪ ،‬أي التأكد‬
‫من تعظيم الفائدة للمتلقين‪ .‬ويأتي ذلك في ضوء الخبرات المكتسبة للعاملين في هذه الجمعيات والتي ترى بأن ما نسبته ثمانين بالمائة‬
‫(‪ )٪80‬من الحاالت المحتاجة ال يمكنها االستفادة من المساعدات التي تتلقاها‪ ،‬ونضرب مثالين هنا للتوضيح من خالل ما حصلنا عليه عبر‬
‫المقابالت مع مسؤولي هذه الجمعيات‪ .‬ففي إحدى الجمعيات يقوم المسؤولون بشراء بوتوجاز للفتيات اليتيمات المقبالت على الزواج بما‬
‫قيمته سبعمائة وخمسون جنيهًا‪ ،‬وهو من نوعية جيدة‪ ،‬ومن الممكن بهذا المبلغ شراء بوتوجاز وغسالة من نوعية غير جيدة‪ ،‬وقد اكتشف‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫ً‬
‫بديال عن األغلى ثم ًنا وتقديمه للحالة فإنها تبيعه بمبلغ يقل‬
‫القائمون على الجمعية أنه في حالة شراء بوتوجاز رخيص بثمن أربعمائة جنيه‬
‫ً‬
‫مقدمة لشراء البوتوجاز السالف الذكر‪ ،‬أي الذي بمبلغ سبعمائة وخمسين جنيهًا‪ ،‬ومن ث َّم فقد قرر القائمون على‬
‫عن سعره وتدفع المبلغ‬
‫الجمعية شراء البوتوجاز األغلى الذي تفضله الحاالت لتفادي بيع البوتوجاز الرخيص والخسارة العائدة على الحالة‪ .‬أما الحالة الثانية فهي‬
‫تكشف عن عدم قدرة الفقراء بشكل واضح على التصرف في المبالغ التي يحصلون عليها نق ًدا؛ ففي خالف بين أعضاء إحدى الجمعيات‬
‫فإنهم انقسموا بين من رأى منح اليتيمات المقبالت على الزواج مبلغ المعونة المقرر بحد أقصى أل َفي جنيه للحالة الواحدة‪ ،‬وبين من رأى‬
‫شراء أجهزة المطبخ التي تشمل الغسالة والثالجة والبوتوجاز؛ حيث انتهى القرار بمنح الفتاة مبلغ اإلعانة من أجل شراء أجهزة المطبخ‬
‫المقررة ً‬
‫سلفا‪ .‬وبمتابعة الحالة اكتشف القائمون على الجمعية أن الفتاة اشترت بالمبلغ طاقم أكواب فاخرة ومالبس لها‪ .‬وبالطبع فقد تم‬
‫صرف قيمة المعونة لمجرد شراء أكواب للمطبخ ومالبس للعروس بدون أن يضيف ذلك لها ً‬
‫شيئا جوهريًّا لمتطلبات الزواج مثلما كان‬
‫الوضع عليه لو اشترت أجهزة المطبخ الثالثة الهامة المتمثلة في الغسالة والثالجة والبوتوجاز‪.‬‬
‫النتائج‬
‫في ضوء ما سبق يمكن إيجاز نتائج الدراسة فيما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬مازال العطاء االجتماعي يواجه العديد من السلبيات المرتبطة بضعف التمويل وقلة مشاركة األفراد الفعلية‪ ،‬على األقل فيما‬
‫يتعلق بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫‪2 .2‬تعاني المؤسسات الخيرية في منطقة الدراسة من عيوب الجمعيات الخيرية بشكل عام المتمثلة في األبوية والمركزية‪ ،‬األمر الذي‬
‫يحرم األجيال الجديدة من المشاركة‪ ،‬كما يحرم هذه المؤسسات من إمكانية اإلبداع وطرح رؤى وتصورات جديدة للتغيير والتطوير‪.‬‬
‫‪3 .3‬حتى في الحاالت التي تتجاوز فيها الجمعية الطابع العائلي‪ ،‬فإنها تظل مقتصرة على مجموعة محدودة من العالقات الشخصية‬
‫والشبكات االجتماعية المكونة من األصدقاء والمعارف في دعم العطاء االجتماعي ومتابعته‪.‬‬
‫‪4 .4‬مازالت مؤسسات العطاء االجتماعي ترتبط باألنشطة التقليدية المتعارف عليها من مساعدة لأليتام والفقراء والمعوزين‪ ،‬والقليل‬
‫منها يقدم أنشطة جديدة مثل إنشاء دور للحضانة وبرامج تدريبية وتعليمية ومشروعات إنتاجية محدودة‪.‬‬
‫‪5 .5‬تتسم أنشطة هذه الجمعيات بالتكرار الكبير‪ ،‬وهو ما ينعكس في تشابه الخدمات واألنشطة‪ ،‬ويفتح الباب واسعًا لنمطية الخدمات بدون‬
‫تنوع أو تجديد‪ ،‬كما يفتح الباب واسعًا ً‬
‫أيضا الحتيال الكثير من الحاالت وحصولها على المساعدات من أكثر من جمعية خيرية‪.‬‬
‫‪6 .6‬بشكل عام‪ ،‬يمكن القول بأن العطاء االجتماعي يجمع بين المشاعر الغيرية التي تهتم بمساعدة اآلخرين بعي ًدا عن أية رغبة في‬
‫إظهار الذات مجتمعيًّا‪ ،‬وبين الرغبة في تأكيد الذات والحصول على التثمين المجتمعي؛ فمن المالحظ أن البعض ال يحب أن‬
‫يعرف اآلخرون تبرعاته وقيامه بأفعال الخير‪ ،‬بينما يحب البعض اآلخر عبارة رجل البر واإلحسان‪ ،‬ولعل ذلك ما يكشف عن‬
‫الصحة الجزئية للمدخل الغيري ولنظرية التبادل االجتماعي‪.‬‬
‫‪7 .7‬يمكن القول بأن أكبر المشكالت التي تواجه الجمعيات في منطقة الدراسة تتمثل في ضعف التبرعات‪ ،‬وبالتالي عدم ثبات الميزانية‬
‫وقدرتها على مواجهة تعاظم نسب الفقر واالحتياج في المنطقة‪ .‬كما تعاني هذه الجمعيات ً‬
‫أيضا من فقر البنى التحتية الخاصة بها‪ ،‬والتي‬
‫تلزمها بالعمل من خالل المساجد‪ ،‬وتقصرها على أنشطة المساعدات بدرجة كبيرة‪ ،‬حيث المباني المتواضعة واإلمكانيات المحدودة‪.‬‬
‫‪8 .8‬باإلضافة لفقر البني التحتية‪ ،‬فإن هذه الجمعيات تعاني من فقر الرؤية التي تلتزم فقط بالجانب الديني وال تتسع لتشمل المجتمع‬
‫المدني المحيط‪ ،‬وهي مسألة ال تُسأل عنها الجمعيات فقط لكنها تعود بجذورها للضعف العام في المشاركة المدنية والسياسية في‬
‫المجتمع المصري عبر عقود طويلة من هيمنة الدولة واحتكارها لممارسات المواطنين‪ .‬لكن رغم ذلك تتحمل هذه الجمعيات ‪-‬‬
‫وبشكل خاص المرتبطة بالمساجد ‪ -‬مسؤولية التركيز على الجانب الديني وربطه بالعطاء االجتماعي‪.‬‬
‫‪9 .9‬يرتبط بذلك ضعف البعد االستراتيجي في هذه الجمعيات التي تؤثر العمل المباشر من خالل المساعدات الفورية للحاالت‬
‫المحتاجة‪ ،‬أما فيما يتعلق بأية أنشطة جديدة ترتبط بالمشروعات الصغيرة للفقراء والمحتاجين بما يمكنهم من توفير فرص عمل‬
‫جديدة ودائمة لهم فإنها لم تنجح في هذا السياق‪ ،‬بل يمكن القول إنها لم تحقق ً‬
‫شيئا على اإلطالق‪.‬‬
‫‪1010‬مازالت الرؤى الخيرية المرتبطة بهذه الجمعيات تعتمد على تقديم المساعدات لألفراد‪ ،‬وال تقترب من النهج البروميثياسي‬
‫‪ Prometheus‬القائم على مساعدة البشر من خالل تمكينهم وجعلهم قادرين على مساعدة أنفسهم‪ .‬فالهدف من اإلحسان‬
‫واألعمال الخيرية ال يكمن في تقديم المساعدة فقط‪ ،‬بغض النظر عن نوعيتها‪ ،‬بقدر ما يكمن في العمل على تغيير الظروف‬
‫المصاحبة لهم من أجل تحسين أنماط حياتهم‪ ،‬والعمل على تمكينهم‪ ،‬وضمان وضعية أفضل لحاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬وهي رؤية‬
‫مازالت بعيدة ج ًّدا عن واقع الجمعيات الخيرية‪ ،‬بل وعن الواقع المصري العام‪.‬‬
‫التوصيات‬
‫ال تبتعد توصيات الدراسة الراهنة عما انتهت إليه من نتائج‪ ،‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬يجب عدم التوسع المفرط في إشهار أية جمعية تابعة لمسجد أو غيره‪ ،‬واألفضل أن تقوم وزارة التضامن بعملية دمج للعديد من‬
‫جمعيات المساجد‪ ،‬وخاصة الصغير منها‪ ،‬في إطار جمعية واحدة تشمل هذا الجمعيات جميعًا‪ ،‬األمر الذي يجعل الجمعية تغطي‬
‫مساحة جغرافية أكبر‪ ،‬وتلبي احتياجات العديد من السكان‪ .‬وهو أمر يساعد على االنتقال من التكافل الفردي المتناثر تنظيميًّا إلى‬
‫التكافل المؤسسي المدرك الحتياجات السكان وكيفية تحسين أوضاعهم‪.‬‬
‫‪2 .2‬ضرورة التخلص من مركزية مجالس اإلدارات‪ ،‬من خالل العمل على تشكيل مجلس إدارة أكبر وأكثر تنوعً ا‪ ،‬ال يقتصر‬
‫اهتمامه على مسجد بعينه‪ ،‬أو مساحة محددة‪ ،‬أو عدد معين من السكان فقط‪ .‬ويمكن لوزارة التضامن أن تكون الوسيط بين كافة‬
‫األعضاء بما يضمن انسجامًا في العمل وتنوعً ا في الرؤى وخروجً ا من المركزية األبوية والهيمنة الدينية‪.‬‬
‫‪3 .3‬العمل على اختيار الكوادر الجيدة من أهل المناطق التي تمثلها الجمعيات المدمجة‪ ،‬وبشكل خاص المنتمين للطبقة الوسطى‬
‫وأصحاب المؤهالت العليا واألثرياء والمتنفذين‪ ،‬األمر الذي يساعد على تحسين العمل وتطوير الرؤى ووضع االستراتيجيات‪.‬‬
‫‪4 .4‬العمل من خالل عملية الدمج على اختيار مقار كبيرة ومناسبة للخدمات المقدمة إلى السكان‪ .‬وسوف تساعد عملية الدمج على‬
‫زيادة الميزانية وتحسين مستوى المقار وسهولة تقديم الخدمات بشكل مؤثر ومتنوع وغير متكرر‪.‬‬
‫‪5 .5‬ضرورة التواصل والعمل المستمر بين القائمين على الجمعيات المدمجة في ثوبها الجديد وبين متلقي العطاءات االجتماعية بما‬
‫ً‬
‫طرفا ها ّمًا في توجيه عمل الجمعيات وتحديد طبيعة الخدمات واألنشطة والمساعدات التي يريدون الحصول عليها‪.‬‬
‫يجعلهم‬
‫‪6 .6‬العمل على االنتقال الحتمي من مرحلة تقديم العطاءات االجتماعية إلى مرحلة تمكين متلقي هذه العطاءات‪ ،‬األمر الذي يساعدهم‬
‫على تطوير واقعهم الفقير وتحسين ظروفهم المتردية‪ .‬وفي هذا السياق البد من التوسع في تحفيز متلقي العطاءات على البدء في‬
‫المشروعات الخاصة بهم‪ ،‬ووضع دراسات الجدوى التي تحدد مدى نجاح أيٍّ من هذه المشروعات من عدمه‪ ،‬حسب طبيعة كل‬
‫جمعية وإمكانياتها واحتياجات سكان كل منطقة‪.‬‬
‫المراجع‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫•إليسون‪ ،‬مايكل وجود كاي‪ ،2006 ،‬التخطيط االستراتيجي للمنظمات غير الربحية‪ ،‬ترجمة‪ :‬مروان الحموي‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكان‪.‬‬
‫•الخرافي‪ ،‬عبد المحسن عبد هللا الجار هللا‪ ،2007 ،‬الباذل بصمت ‪ ..‬ناصر عبد المحسن السعيد‪ .‬الكويت‪ :‬دار النشر غير مبينة‪.‬‬
‫•رمضان‪ ،‬محمد عبد الغني‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2010‬التضامن االجتماعي‪ ،‬السياسات والخدمات االجتماعية‪ ،‬مجلس الوزراء المصري‪،‬‬
‫مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار‪.‬‬
‫•زينو‪ ،‬رندة محمد‪ ،2007 ،‬العمل التطوعي في السنة النبوية‪ :‬دراسة موضوعية‪ .‬رسالة ماجستير مقدمة للجامعية اإلسالمية في‬
‫غزة‪ :‬كلية أصول الدين‪.‬‬
‫•سعيد‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم‪ ،2008 ،‬إشكالية توظيف الوقف اإلسالمي في التنمية االقتصادية للعشوائيات‪ :‬دراسة تطبيقية على‬
‫سكان المقابر بالقاهرة الكبرى‪ .‬القاهرة‪ :‬معهد الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫•شكر‪ ،‬عبد الغفار‪ ،2006 ،‬الجمعيات األهلية اإلسالمية في مصر‪ .‬القاهرة‪ :‬دار األمين للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫•الشبكة العربية للمنظمات األهلية‪ ،‬تقرير‪ ،2007 ،‬الشباب في منظومة المجتمع المدني‪ .‬الشبكة العربية للمنظمات األهلية‪.‬‬
‫•عبد العال‪ ،‬أحمد عبد العال‪ ،1997 ،‬التكافل االجتماعي في اإلسالم‪ .‬القاهرة‪ :‬الشركة العربية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫•عبد هللا‪ ،‬خالد عبد الفتاح‪ ،2009 ،‬التحليل السوسيولوجي للعمل التطوعي في مصر‪ :‬دراسة ميدانية‪ .‬جامعة القاهرة‪ .‬مركز‬
‫البحوث والدراسات االجتماعية‪.‬‬
‫•العمري‪ ،‬عمر بن صالح‪ ،2011 ،‬الملك عبد العزيز والعطاء االجتماعي‪ ،‬دراسة تاريخية وثائقية‪ .‬السعودية‪ :‬األمانة العامة‬
‫لالحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة‪.‬‬
‫•العوير‪ ،‬محيي الدين خير هللا‪ ،2006 ،‬الجمعيات الخيرية اإلسالمية ودورها في التكافل االجتماعي‪ .‬السعودية‪ :‬دار النهضة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫•القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،2008 ،‬أصول العطاء االجتماعي في اإلسالم‪ :‬األصول والمقاصد الشرعية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫•قرقوتي‪ ،‬حنان إبراهيم‪ ،2006 ،‬رعاية اليتامى في بعض المؤسسات الرعائية في لبنان‪ ،‬دراسة ميدانية‪ .‬اإلمارات‪ :‬دائرة‬
‫األوقاف وشئون القصر في دبي‪.‬‬
)‫ (على اإلنترنت‬.‫ خطوات عملية للنهوض باألمة‬:‫ العمل التطوعي‬،2010 ،‫ صالح بن مطر‬،‫•الهطالي‬
http://www.alhatali.com/Items/1/1.pdf
.‫ المجلس العربي للطفولة والتنمية‬.‫ أساليب الدعوة لعمل الخير العربي المعاصر‬،2009 ،‫ غادة علي‬،‫•موسى‬
‫المراجع اإلنجليزية‬
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
Bekkers, René and Pamela Wiepking. (2007). Understanding Philanthropy: A Review
of 50 Years of Theories and Research. (Online) http://ics.uda.ub.rug.nl/FILES/root/
Articles/2007/BekkersR Philantropy/BekkersR-Philantropy-2007.pdf
Chew, Celien. 2009. Strategic Positioning in Voluntary and Charitable Organizations.
UK: Routledge.
Cropanzano, Russell and Mitchell, Marie S. (2005). Social Exchange Theory: An
Interdisciplinary Review. Journal of Management. Vol. 31, No. 6, pp.874-900.
Darlington, P. J. (1978). Altruism: Its Characteristics and Evolution. Proceeding of
the National Academy of Sciences of the United States of America, Vol. 75, No. 1,
pp. 385-389.
Ibrahim, Barbara and Sherif, Dina. Eds. (2008). From Charity to Social Change:
Trends in Arab Philanthropy. The American University in Cairo Press (online) www.
aucegypt.edu/research/gerhart/Documents/Final%20Report.pdf
Johnson, Paula D.; Stephen P. Johnson and Andrew Kingman. (2004). Promoting
Philanthropy: Global Challenges and Approaches. Online: http://stage1.
industrialmedia.ca/wings/download/02_Promoting_Philanthropy_Full_Version.pdf
Karoff, H. Peter. (2004). Transformation through Philanthropy– Theory, Fact, and
Fiction. The Philanthropic Initiative, Inc. Online: http://www.tpi.org/downloads/pdfs/
essay-trans_phil_thry_fct_fict.pdf
Payton, L. R. (1988). Philanthropy: Voluntary Action for the Public Good. New York:
Macmillan Publishing Company.
Monroe, Kristen Renwick (1994). A Fat Lady in Corset: Altruism and Social Theory.
American Journal of Political Science. Vo. 38, Issue 4, pp. 861-893.
Rudich, Avishag. (2009). Not for Love of Man Alone –An Overview of Theoretical
Approaches to Philanthropy. Online: http://www.jewishfederations.org/local_
includes/downloads/34179.pdf
Spiegel, Menahem (1995). Charity without Altruism. Economic Inquiry. Vol. XXXIII,
pp. 625-639.
‫المالحظات الختامية‬
‫‪1 .1‬شملت هذه الجمعيات‪ :‬جمعية الخدمات االجتماعية والدينية‪ ،‬وجمعية روضة أهل السندس‪ ،‬وجمعية مسجد بالل بن رباح‪ ،‬والجمعية‬
‫الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية‪ ،‬وجمعية ومستوصف مسجد الصفا والمروة‪ ،‬والجمعية الخيرية الملحقة بمسجد الشيخ‬
‫علي‪ ،‬وجمعية مسجد الرحمة‪ ،‬وجمعية مسجد أبوبكر الصديق‪ ،‬وجمعية العزيز باهلل‪ ،‬ولجنة زكاة مسجد محمد كامل‪ ،‬ولجنة زكاة‬
‫مسجد التوحيد‪ ،‬ولجنة زكاة جامع الشوربجي الكبير‪ ،‬وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالشوربجي‪ ،‬وجمعية رؤية العين الخيرية للنشاط‬
‫الثقافي واالجتماعي وتشغيل الشباب‪ ،‬وجمعية هداية الرحمن‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
Fly UP